للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وترك جماعته متبرئًا منها معلنًا عداوته لها أظهر وأحق، ولا يجوز قياس الردة عن الإِسلام خاصة بترك العقيدة أو تغييرها من شخص ينتمي للدين أو مجتمع غير دين الإِسلام ومجتمعه.

فمجتمعات العالم اليوم إما مجتمعات ملحدة رسميًا وواقعًا، وإما مجتمعات ملحدة واقعًا، وإن ظلت ترفع شعار دين من الأديان كشكل رسمي، وفي هذه الأخيرة ينظر إلى قضية الدين على أنها مسألة شخصية تمامًا، وهو موقف متفرع على موقف آخر يعتبر أصلًا، وهو الفصل بين الدين والدولة في تلك المجتمعات، ففي الإِسلام لا فرق بين رفض نظام الدولة والخروج عليه وتحديه، وبين الردة عن الإِسلام لأن نظام الدولة في مجتمع الإِسلام جزء من الإِسلام، أو هو التطبيق الزمني للإسلام في ذلك المجتمع، ورفض الإِسلام بالردة يعني ضمنًا رفض النظام المنبثق منه، لأن الإِسلام لا يفصل بين الدين والدولة، ومسألة الإيمان بالدين ليست مسألة شخصية في الإِسلام، وإنما هي مسألة فردية اجتماعية في آن واحد، ومن هنا لا يجوز السماح بالخيانة الوطنية، وهي أعظم جريمة في منطق قوانين الأرض قاطبة. (١)

يقول الدكتور عبد الكريم زيدان:

أما سبب عقوبة المرتد وجعلها القتل، فيرجع إلى أمرين خطيرين:

الأول: أن المسلم بردته أخل بالتزامه؛ لأن المسلم بإسلامه يكون قد التزم أحكام الإِسلام وعقيدته، فإذا ارتد كان ذلك منه إخلالًا خطيرًا في أصل التزامه، ومن يخل بالتزامه عمدًا يعاقب، وقد تبلغ عقوبته الإعدام، ألا يرى أن من تعاقد مع الدولة لتوريد الطعام لأفراد الجيش ثم أخل بالتزامه عمدًا في حالة احتياج الجيش للأرزاق؛ أن جزاءه قد يصل إلى الإعدام! .

الثاني: أن المرتد مع إخلاله بالتزامه يقوم بجريمة أخرى هي الاستهزاء بدين الدولة، والاستخفاف بعقيدة سكانها المسلمين، وتجريء لغيره من المنافقين ليظهروا نفاقهم،


(١) بحوث في علوم التفسير (٤٥٩، ٤٦٠) محمد حسين الذهبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>