للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتشكيك لضعاف العقيدة في عقيدتهم، وهذه كلها جرائم خطيرة يستحق معها المرتد استئصال روحه، وتخليص الناس من شره، وإنما قلنا: إن المرتد من يرتكب هذه الأمور لأنه لا يعرف ارتداده إلا بالتصريح، وإلا لو أخفى ردته لما عُرف (١).

إن الارتداد ثم الإصرار عليه بعد كشف الشبهة التي يدعي أنها كانت سببًا فيه، وبعد إزالة كل الأسباب الداعية إليه لما يشكك في صدق إسلام هذا المرتد، ويجعل الظن بنفاقه ومحاولته الكيد للإسلام بالتشكيك فيه أمرًا مقبولًا ومعقولًا، وتصبح الردة هنا رفعًا كاملًا لقناع النفاق يضع صاحبه في وضع أشد على الإِسلام باعتبار نتائجه من وضع المحاربين وأهل البغي، وقد قص علينا القرآن الكريم من مواقف أهل الكتاب ما يؤكد هذه المعاني، يقول تعالى: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (آل عمران: ٧٢). (٢)

فالرجوع عن الإيمان إلى الكفر يشبه الآفة التي تصيب المخ والقلب فتودي بالحياة، فكذلك الذي يقع في ظلمات الكفر بعد أن هدى إلى نور الإيمان تفسد روحه، ويسقم قلبه، فيذهب من نفسه أثر الأعمال الصالحة؛ فإذا كان مريض القلب والعقل يقضى عليه مرضه بالموت، فكذلك الارتداد عن الإِسلام، فساد في العقل، وفساد في الوجدّان، وفساد في السلوك يستلزم بتر هذا العضو ليسلم سائر المجتمع.

إن حطة الأفكار أشد خطرًا على الأمة من فاتك المرض، إن سلامة الفكر واستقامة القلب هما الروح القوي الذي يحفظ على الأمة؛ آية أمة كيانها وبقاءها (٣).

فالإِسلام مبني على العقل والمنطق، وقائم على الدليل والبرهان، وليس في عقيدته ولا شريعته ما يصادم فطرة الإنسان أو يقف حائلًا دون الوصول إلى كماله المادي والأدبي،


(١) أصول الدعوة (٢٩٧).
(٢) بحوث في علوم القرآن (٤٥٩).
(٣) الرد الجميل على المشككين في الإِسلام (١٠٤) عبد المجيد صبح.

<<  <  ج: ص:  >  >>