للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ لَهُ قَائِلٌ: أَصَبَوْتَ؟ فَقَالَ: لَا، وَلَكِنِّى أَسْلَمْتُ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَلَا وَالله لَا يَأْتِيكُمْ مِنَ الْيَمامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -" (١).

وقوله: (تقتل ذا دم) أي: صَاحِب دَم؛ لِدَمِهِ مَوْقِعٌ يَشْتَفِي بِقَتْلِهِ قَاتِله، وَيُدْرِك قَاتِله بِهِ ثَأْره، أَيْ: لِرِيَاسَتِهِ وَفَضِيلَته. (وهذا تهديد واضح كما ترى).

قال النووي: وَكَرَّرَ ذَلِكَ ثَلَاثَة أيَّام؛ هَذَا مِنْ تَأْلِيف الْقُلُوب وَمُلَاطَفَة لِمَنْ يُرْجَى إِسْلَامه مِنْ الْأَشْرَاف الَّذِينَ يَتْبَعهُمْ عَلَى إِسْلَامهمْ خَلْق كَثِير (٢).

وقال ابن حجر: تَعْظِيم أَمْر الْعَفْو عَنْ المُسِيء؛ لِأَنَّ ثُمامَة أَقْسَمَ أَنَّ بُغضه اِنْقَلَبَ حُبًّا فِي سَاعَة وَاحِدَة لِمَا أَسَدَاهُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْهِ مِنْ الْعَفْو وَالْمَنّ بِغَيْرِ مُقَابِل، وفيه أَنَّ الْإِحْسَان يُزِيل الْبُغْض وَيُثْبِت الْحُبّ (٣).

[٢ - رحمته - صلى الله عليه وسلم - بأمته]

قال - تعالى -: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٢٨)} [التوبة: ١٢٨].

قال السعدي: يمتن - تعالى - على عباده المؤمنين بما بعث فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمي الذي من أنفسهم، يعرفون حاله، ويتمكنون من الأخذ عنه، ولا يأنفون عن الانقياد له، وهو - صلى الله عليه وسلم - في غاية النصح لهم، والسعي في مصالحهم.

{عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ} أي: يشق عليه الأمر الذي يشق عليكم ويعنتكم.

{حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} فيحب لكم الخير، ويسعى جهده في إيصاله إليكم، ويحرص على هدايتكم إلى الإيمان، ويكره لكم الشر، ويسعى جهده في تنفيركم عنه.

{بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} أي: شديد الرأفة والرحمة بهم، أرحم بهم من والديهم (٤).


(١) أخرجه البخاري (٤٦٢، ٤٣٧٢)، ومسلم (١٧٦٤) واللفظ له.
(٢) شرح النووي (٦/ ٣٣٢).
(٣) فتح الباري (٨/ ١٠٣، ١٠٤).
(٤) تفسير السعدي (٣٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>