المدة الطويلة من رحمته فما الجدوى إذًا من بعث الرسل قبل المسيح عليهم السلام ليبينوا لهم طريق الهدى من طريق الضلال.
إذا كان المسيح ابن الله فأين كانت عاطفة الأبوة وأين كانت الرحمة حينما كان يلاقي الابن الوحيد ألوان التعذيب والسخرية ثم الصلب مع دق المسامير في بدنه، من هذا الذي قيَّد الله -عَزَّ وَجَلَّ- وجعل عليه أن يلزم العدل وأن يلزم الرحمة وأن يبحث عن طريق للتوفيق بينهما؟ (١).
الوجه الرابع: أنَّ دعوى أنه بدون سفك دم لا تحصل مغفرة فيها تجريد للإله من الرحمة.
وإن كان لابد من سفك الدم فهي دعوى لا دليل لكم عليها، ولم يكن موت المسيح بسفك دمه وذبحه، ولِمَ لم يزل عن الإنسان ذلك القصاص بعد الصلب؟ ، وإذا كان الله لا يكتفي بما حل ويحل بالإنسان في هذه الحياة من المصائب والبلايا والموت والقتل وغيره ويصر على الانتقام منه في شخص أحد أفراد هذا النوع (المسيح) الذي حمله من أنواع الإهانات والفظائع ما جعله يستغيث به، فلم يغثه ولم يرحمه (لوقا ٣٩/ ٢٢: ٤٦)، (رومية ٨/ ٣٢)، مع أنه اتخذه له ابنًا وحلّ فيه.
وإذا كان أيضًا لا يكتفي بحلول روح القدس في الناس لتطهيرهم ولتوبتهم واستقامتهم ولا باستشهاد كثير منهم في سبيله إلا بعد سفك دم عيسى ولحب الضحايا البشرية من قديم الزمان وبتفضيلها من مقربيها (قضاة ١١/ ٢٩: ٤٠)، وبأمر أنبيائه وأتباعهم بسفك دم ما لا يحصى من الحيوانات (مل ٨/ ٦٢: ٦٣)، وقتل ما لا يُعد من البشر (التثنية ٢٠/ ١٦)، ورائحة المحرقات (لاويين ١/ ١٧)، وإذا كانت كل هذه صفات إلههم فهو مجرد من كل رحمة وشفقة وحنان وعدو للإنسان والحيوان، حتى أنه ندم على خلقه للإنسان (التكوين ٦/ ٦) لشدة غيظه منه وبغضه له وخوفه منه (التكوين ٣/ ٢٢)(التكوين ١١/ ٦)، فكيف يمكن للإنسان أن يحبه بعد ذلك كله؟ ، مع أن الله وهو أقدر منا طبعًا لم يحب الإنسان ولم يرحم إلا بعض أفراد هذا النوع بعد أن شبع ورُوي من الدماء التي تملأ الأنهار، فهل يا قوم هذه العقيدة هي التي تدعون