للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عثمان إلى الكوفة، لم يوافق أول الأمر على الرجوع عن قراءته، ولا على إعدام مصحفه، وكان تأليف مصحفه مغايرًا لتاليف مصحف عثمان، فلذا أطلق العراقي أنه غير مؤلف. (١)

وأما الفريق الثالث القائل بالتفصيل، فيجاب بنفس الأجوبة، إذ لم يأت بدليل جديد، كما يرد عليهم أيضًا بأن العلم بتوقيف البعض يدل على التوقيف في الكل، إذ لو علم الصحابة التوقيف لمَا فاتَهم أن يسألوا عن كل سورة بعينها، والنبي - صلى الله عليه وسلم - حَيٌّ بين أظهرهم، وإلا لكانوا - وحاشاهم - مقصرين في حفظ القرآن.

[الوجه الثالث: ما ورد من اختلاف في ترتيب مصاحف الصحابة.]

فإن قيل: كيف يكون الصحابة مجمعين على هذا الترتيب مع أن مصاحفهم كانت مختلفة في ترتيب السور قبل جمع القرآن في عهد عثمان، ولو كان الترتيب توقيفيًّا منقولًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما ساغ لهم أن يهملوه ويتجاوزوه، وهو دليلهم الثاني؟ (٢)

فيجاب عليه بهذه الوجوه:

[الوجه الأول: أن هذا الاختلاف كان قبل العلم بالتوقيف فيه.]

بأنهم اختلفوا فيما اختلفوا قبل أن يعلموا التوقيف فيه، ولما جمع عثمان القرآن على هذا الترتيب علموا ما لم يكونوا يعلمونه، ولذلك تركوا ترتيب مصاحفهم وأخذوا بترتيب عثمان. (٣)

قال السيوطي: وقد من الله عليّ بجواب لذلك نفيس وهو أن القرآن وقع فيه النسخ كثيرًا للرسم، حتى لسور كاملة وآيات كثيرة، فلا بِدع أن يكون الترتيب العثماني هو الذي استقر في العرضة الأخيرة، كالقراءات التي في مصحفه، ولم يبلغ ذلك أبيًّا وابن مسعود، كما لم يبلغهما نسخ ما وضعاه في مصاحفهما من القراءات التي تخالف المصحف العثماني، ولذلك كتب أبيٌّ في مصحفه سورة الحفد والخلع، وهما منسوختان فالحاصل أني أقول:


(١) فتح الباري (٨/ ٦٥٥).
(٢) إن هذه الشبهة لا ترد على القائلين بأن ترتيب السور كلها اجتهادي، أما القائلون بأن منه اجتهاديًا ومنه توقيفيًا فمن السهل الجواب عنهم: بأن الاختلاف بين الصحابة وقع في القسم الاجتهادي لا التوقيفي. وإنما ترد هذه الشبهة على القائلين بأن ترتيب السور كله توقيفي والجواب كما نبينه.
(٣) شرح صحيح مسلم للنووي ٣/ ٣٢٠، مناهل العرفان (١/ ٢٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>