والثاني: نقدر على أن نسوي بنانه كما كانت، وإن صغرت عظامها، ومن قدر على جمع صغار العظام، كان على جمع كبارها أقدر، هذا قول ابن قتيبة، والزجاج (١).
فهذان القولان معتبران، ولا يمكن الإنكار على أحدهما، فإذا وافق الإعجاز العلمي أحدهما فلا ننكر على مَنْ قال بالإعجاز العلمي في الآية ظنًا منا أنه يخالف القول الآخر. فقد وافق الإعجاز العلمي في إثبات البصمة الوراثية للقول الثاني.
[الوجه الثالث: توضيح كيفية موافقة القول بالإعجاز العلمي لأحد قولي المفسرين.]
١ - كلا قولي المفسرين: فيه توضيح لطيف لبيان قدرة اللَّه في خلق بنان الإنسان واختلافه عن بنان الحيوان، والسؤال هو: لماذا اختص اللَّه بنان الإنسان بالذكر في هذه الآية ولم يختص أي عضو آخر من أعضاء الإنسان؟ أليس هذا لإثبات أن في البنان عجائب وأسرار. فليس بشرط أن يذكر اللَّه البصمة الوراثية مع ذكر البنان في الآية.
قال الأستاذ زغلول النجار:
ومن عادة القرآن الكريم أنه يشير إلى الحقائق الكونية بصياغة ضمنية يفهم منها أهل كل عصر معنًى محددًا تحكمه كمية المعارف المتاحة لأهل هذا العصر، وتظل هذه المعاني للآية الواحدة تتسع باتساع دائرة المعرفة الإنسانية في تكامل لا يعرف التضاد، وهذا من أبلغ آيات الإعجاز العلمي في كتاب اللَّه.
خذ مثلًا موضوع الجبال وحركتها ودلالة هذه الحركة على حركة الأرض كما وردت في سورة النمل:{وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}(النمل: ٨٨)