فقد أمره - صلى الله عليه وسلم - أن يبلغهم قبل كل شيء عقيدة التوحيد، وأن يعرفهم بالله جل جلاله، وما يجب له، وما ينزه عنه. ومن لم يسلم بما ذكرنا؛ لزمه أحد أمرين، لا ثالث لهما:
- إما القول بأن رسله عليهم السلام ما كانوا يعلمون الناس العقيدة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمرهم بذلك، وإنما أمرهم بتبليغ الأحكام فقط! وهذا باطل بالبداهة، مع مخالفته لحديث معاذ المتقدم.
- وإما أنهم كانوا مأمورين بتبليغها، وأنهم فعلوا ذلك، فبلغوا الناس كل العقائد الإسلامية، ومنها هذا القول المزعوم:(لا تثبت العقيدة بخبر الآحاد)؛ فإنه في نفسه عقيدة - كما سبق -، وعليه: فقد كان هؤلاء الرسل رضوان الله عليهم يقولون للناس: آمنوا بما نبلغكم إياه من العقائد، ولكن لا يجب عليكم أن تؤمنوا بها لأنها أخبار آحاد! ! وهذا باطل أيضًا كالذي قبله، وما لزم منه باطل؛ فهو باطل.
الوجه السادس: أن هذا القول يستلزم تفاوت المسلمين فيما يجب عليهم اعتقاده، مع بلوغ الخبر إليهم جميعًا، وهذا باطل أيضًا؛ لقوله تعالى:{لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}(الأنعام: ١٩). وقوله في الحديث الصحيح المستفيض:"نضر الله امرءًا سمع مقالتي، فأداها كما سمعها؛ فرب مبلغ أوعى له من سامع"(١).
وبيان ذلك: أن الصحابي الذي سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثًا في عقيدة ما: كنزوله تعالى إلى السماء الدنيا مثلًا؛ فهذا الصحابي يجب عليه اعتقاد ذلك؛ لأن هذا الخبر بالنسبة إليه يقين، وأما الذي تلقى الحديث عنه من صحابي آخر، أو تابعي؛ فهذا لا يجب عليه اعتقاد ذلك، وإن بلغته الحجة وصحت عنده؛ لأنها إنما جاءته من طريق الآحاد ... ، وفي هذا القول من الفساد ما فيه؛ فإنه بذلك يفرق بين المسلمين في عقيدتهم.
الوجه السابع: ومن لوازم هذا القول أيضا: إبطال الأخذ بالحديث مطلقًا في العقيدة من بعض الصحابة الذين سمعوه منه - صلى الله عليه وسلم - مباشرة، وهذا كالذي قبله في البطلان، بل أظهر.
وبيانه: أن جماهير المسلمين - وخاصة قبل جمع الحديث وتدوينه - إنما وصلهم الحديث
(١) رواه الترمذي (٢٦٥٧)، وابن ماجه (٢٣٢)، وإسناده صحيح.