للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه العاشر: إن فساد معاني الأبيات بما لا يقتضيه واقع العرب وعقيدتها الجاهلية يفضح كذب ادعائها على الشعر الجاهلي كله.

الوجه الحادي عشر: مخالفة الشبهة لمقتضى العقل وانعدام المنهج العلمي في تقريرها.

وإليك التفصيل

[الوجه الأول: تحدي القرآن للعرب وعجز فصحائهم عن الإتيان بمثل القرآن، وإقرارهم بأنه ليس من قبيل الشعر.]

لو كان هناك مطعن في القرآن من حيث لغته ودلالته، أو بيانه وبلاغته، أو ألفاظه ومعانيه، لكان أعداء القرآن من مشركي العرب أتوا به قبل أن يتحداهم القرآن. . . إذ قد اجتمع في كفار قريش أقوى عامِلَين للتشكيك في القرآن الكريم.

العامل الأول: كونهم أهل اللغة، وفصحائها، وفيهم فطاحل الشعراء والخطباء. (١)

العامل الثاني: رغبتهم الجامحة في إطفاء نور الله تعالى، والحرص على جحده وتكذيبه بعد أن عاب آلهتهم، وسفه أديانهم وأحلامهم. بل زاد الأمر عليهم حين تحداهم أن يأتوا بمثله أو بعشر سور أو بسورة أو آية من ممثله، فلم يأتوا بشيء.

قال تعالى - أول ما تحداهم -: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (٣٣) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [الطور: ٣٣, ٣٤]، فلما انقطعوا قال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا


(١) يقول الفخر الرازي في التفسير الكبير ٢/ ١١٥، ١٢٠: كانوا في معرفة اللغة، والاطلاع على قوانين الفصاحة في الغاية، وكانوا في محبة إبطال أمره في الغاية؛ إذ مفارقة الأوطان والعشيرة وبذل النفوس والمهج من أقوى ما يدل على ذلك. وكانوا في الحمية والأنفة على حد لا يقبلون الحق فكيف الباطل! فإذا انضاف إليه مثل هذا التقريع وهو قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} فلو كان في وسعهم وإمكانهم الإتيان بمثل القرآن أو بمثل سورة منه لأتوا به، فلما لم يأتوا بها علمنا عجزهم عنها، فثبت أن القرآن لا يماثل قولهم وأن التفاوت بينه وبين كلامهم ليس تفاوتًا معتادًا فهو إذن تفاوت ناقض للعادة فوجب أن يكون معجزًا.
ويقول الزرقاني في مناهل العرفان ٢/ ٢٧٨: القرآن معجز خصوصًا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تحدى به؛ فأعجز أساطين الفصحاء، وأعيا مقاويل البلغاء، وأخرس ألسنة فحول البيان من أهل صناعة اللسان، وذلك في عصر كانت القوى فيه قد توافرت على الإجادة والتبريز في هذا الميدان، وفي أمة كانت مواهبها محشودة للتفوق في هذه الناحية، وإذا كان أهل الصناعة هؤلاء قد عجزوا عن معارضة القرآن فغيرهم أشد عجزا وأفحش عيا.

<<  <  ج: ص:  >  >>