للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٣) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [هود: ١٣, ١٤]، فلما عجزوا هذه المرة أيضًا طاولهم مرة أخرى وقال: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٢٣) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: ٢٣, ٢٤].

يقول القاضي عياض: فلم يزل يقرعهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أشد التقريع، ويوبخهم غاية التوبيخ، ويسفه أحلامهم، ويحط أعلامهم، ويشتت نظامهم، ويذم آلهتهم وإياهم، ويستبيح أرضهم وديارهم وأموالهم، وهم في كل هذا ناكصون عن معارضته، محجمون عن مماثلته، يخادعون أنفسهم بالتشغيب بالتكذيب والإغراء بالافتراء، وقولهم: إن هذا إلا قول البشر، إن هذا إلا سحر يؤثر، وسحر مستمر وإفك افتراه، وأساطير الأولين، . . .، وقد قال تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} فعلوا ولا قدروا، ومَنْ تعاطَى ذلك من سُخَفَائِهِم كمسيلمة كُشِفَ عَوَارُهُ لِجَمِيْعِهم (١).

ويقول: تحديهم بأن يأتوا بمثله قاطع، وهو أبلغ في التعجيز، وأحرى بالتقريع، والاحتجاج بمجيء بشر مثلهم بشيء ليس من قدرة البشر لازم، وهو أبهر آية، وأقمع دلالة، وعلى كل حال فما أتوا في ذلك بمقال بل صبروا على الجلاء والقتل، وتجرعوا كاسات الصغار والذل، وكانوا من شموخ الأنف، وإباءة الضيم بحيث لا يؤثرون ذلك اختيارا، ولا يرضونه إلا اضطرارا، وإلا فالمعارضة لو كانت من قدرهم والشغل بها أهون عليهم وأسرع بالنجح وقطع العذر وإفحام الخصم لديهم وهم ممن لهم قدرة على الكلام وقدوة في المعرفة به لجميع الأنام (٢).

ويقول ابن عاشور: الله تعالى تحدى بلغاءهم أن يأتوا بسورة من مثله فلم يتعرض واحد إلى معارضته، اعترافا بالحق وربئا بأنفسهم عن التعريض بالنفس إلى الافتضاح، مع أنهم


(١) الشفا بتعريف حقوق المصطفى ١/ ٢٦١.
(٢) السابق ١/ ٢٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>