للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالمقصود أشهر، لأن عهد الإمامة أقل درجة من عهد النبوة، فإذا لم يصل عهد الإمامة إلى المذنب العاصي، فبأن لا يصل عهد النبوة إليه أولى.

الحجة الخامسة عشر: صح أن خزيمة بن ثابت الأنصاري - رضي الله عنه - شهد على وفق دعوى النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أنه ما كان عالمًا بتلك الواقعة فقال خزيمة: (إني أصدقك فيما تخبر عنه من أحوال السماء، أفلا أصدقك في هذا القدر؟ ! ) (١)، فلما ذكر ذلك صدقه النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه ولقبه بذي الشهادتين، ولو كان الذنب جائزًا على الأنبياء لكانت شهادة خزيمة غير جائزة (٢).

ومن الأدلة أيضًا:

قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} فما كان -عز وجل- أن يحث نبيه - صلى الله عليه وسلم على الاقتداء والأسوة بأنبيائه ورسله إلا وهم معصومون من الصغائر (٣).

من قال بعصمة الأنبياء من الكبيرة والصغيرة مطلقًا:

قال ابن النجار: وَمَنَعَ الأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ الإسْفَرايِينِيّ وَجَمع مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ الذَّنْبِ مُطْلَقًا، كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا، عَمْدًا أَوْ سَهْوًا، أَخَلَّ بِصِدْقِهِ أَوْ لا، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي المُعَالِي فِي "الإِرْشَادِ" وَالْقَاضِي عِيَاضٍ وَأَبِي بَكْرٍ وابْنِ مُجَاهِدٍ وَابْنِ فُورَكٍ. نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ حَزْمٍ فِي "الملَلِ وَالنِّحَلِ" (٤)، وَابْنِ حَزْمٍ، وَابْنِ بُرْهَانٍ فِي "الأَوْسَطِ". وَنَقَلَهُ فِي "الْوَجِيزِ" عَنْ اتِّفَاقِ المُحَقِّقِينَ. وَحَكَاهُ فِي "زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ" عَنْ المُحَقِّقِينَ. وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ - هو الحسين بن محمد بن أحمد المروذي، أبو علي الفقيه الشافعي-: هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ


(١) القصة رواها أحمد في مسنده (٥/ ٢١٥)، وأبو داود (٣٦٠٢)، وصححه الالباني في الإرواء (٥/ ١٢٧)، أما جعل شهادته بشهادة رجلين فهذه الزيادة في صحيح البخاري (٢٨٠٧).
(٢) عصمة الأنبياء للرازي صـ ٢٨ - ٣٤.
(٣) رد شبهات حول عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - ١/ ٣٤.
(٤) النقل عن ابن حزم غير دقيق؛ لأنه نقل قول ابن فورك بجواز الصغائر حالة العمد فقط، فقال: لا يجوز عليهم كبيرة من الكبائر أصلًا، وجوزوا الصغائر بالعمد، وهو قول ابن فُورَك الأشعري. ثم قال ابن حزم: لا يجوز أن يقع من نبي أصلًا معصية بعمد لا صغيرة ولا كبيرة، وهو قول ابن مجاهد الأشعري شيخ ابن فُورَك". ثم قال ابن حزم: وهذا القول الذي ندين الله تعالى به. الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢/ ٢٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>