للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحفظه، أو يشق عليه النطق بها؛ فيكون له أن يقرأ بمرادفها، فمن ذلك ما كان يوافق حرفًا آخر، ومنه ما لا يوافق، ولكنه لا يخرج عن ذاك القبيل. (١)

أقول: قد يتوهم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما علمهم تشهدًا واحدًا، ولكنهم -أو بعضهم- لم يحفظوه؛ فأتوا بألفاظ من عندهم، مع نسبتها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا باطل قطعًا؛ فإن التشهد يكرر كل يوم بضع عشرة مرة على الأقل في الفريضة والنافلة، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُحفِّظ أحدهم حتى يَحفَظ، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقريء الرجلين السورة الواحدة هذا بحرف وهذا بآخر، فكذلك علمهم مقدمة التشهد بألفاظ متعددة، هذا بلفظ وهذا بآخر، ولهذا أجمع أهل العلم على صحة التشهد بكل ما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأما ذكر عمر التشهد على المنبر، وسكوت الحاضرين فإنما وجهه المعقول: تسليمهم أن التشهد الذي ذكره صحيح مجزيء.

وقد كان عمر يقرأ في الصلاة وغيرها القرآن، ولا يرد عليه أحد، مع أن كثيرًا منهم تلقوا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بحرف غير الحرف الذي تلقى به عمر، ومثل هذا كثير.

ومن الجائز أن يكونوا -أو بعضهم- لم يعرفوا اللفظ الذي ذكره عمر، ولكنهم قد عرفوا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- علم أصحابه بألفاظ مختلفة، وعمر عندهم ثقة، وأما قول بعضهم بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-: (السلام على النبي)، بدل (السلام عليك أيها النبي) فقد يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- خيره بين اللفظين، وقد يكون فعل ذلك باجتهاد خشية أن يتوهم جاهل أن الخطاب على حقيقته، أما الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فالتحقيق أنها موجودة في التشهدات كلها بلفظ: (ورحمة الله)، والقائل بوجوبها عقب التشهد بلفظ الصلاة لم يجعلها من التشهد، بل هي عنده أمر مستقل، والكلام في ذلك معروف، لا علاقة له بالرواية بالمعنى (٢).

الوجه الثامن: ثقة الصحابة وضبطهم وعدالتهم:


(١) الأنوار الكاشفة (١/ ٨٠).
(٢) الأنوار الكاشفة (١/ ٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>