للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كل ذنب ترجى مغفرته ابتداء إلا قتل المؤمن فإنه لا يغفر بلا سبق عقوبة وإلا الكفر فإنه لا يغفر أصلًا، ولو حمل على القتل مستحلًا لا يبقى المقابلة بينه وبين الكفر، ثم لا بد من حمله على ما إذا لم يتب وإلا فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له كيف، وقد يدخل القاتل والمقتول الجنة معًا كما إذا قتله وهو كافر ثم آمن وقتل؟ ولعل هذا بعد ذكره على وجه التغليظ والله تعالى أعلم. (١)

قال أبو حيان الأندلسي: في قول الله عز وجل: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (٩٣)}: وقيل: هو لفظ يقع كثيرًا للخصوص كقوله: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) وليس من حكم من المؤمنين بغير ما أنزل الله بكافر.

[الآية للوعيد وليست للوعد]

قال الفخر الرازي: القتل العمد العدوان إذا تاب عنه فإنه لا يحصل فيه الوعيد. . . وعمومات الوعد أكثر من عمومات الوعيد. (٢)

وقال البغوي: حكي أن عمرو بن عبيد جاء إلى أبي عمرو بن العلاء فقال له: هل يُخلفُ الله وعدَه؟ فقال: لا فقال: أليس قد قال الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا}؟ فقال له أبو عمرو بن العلاء: من المعجمة أُتِيْتَ يا أبا عثمان! إن العرب لا تعد الإخلاف في الوعيد خلفًا وذمًا، وإنما تعد إخلاف الوعد خلفًا وذمًا، وأنشد:

وإنِّي وإنْ أوْعَدْتُه أو وَعَدْتُه ... لمُخْلِفُ إيعادَيِ ومُنْجِزُ مَوْعِدِي. (٣)


(١) حاشية السندي علي النسائي ٧/ ٨١.
(٢) تفسير الرازي ١٠/ ٢٤٠ بتصرف.
(٣) تفسير البغوي ١/ ٤٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>