لنا أخباره وأفعاله -عليه السلام- في المنزل غير هؤلاء النسوة اللاتي أكرمهن اللَّه عزَّ وجلَّ؛ فكن أمهات للمؤمنين وزوجات لرسوله الكريم في الدنيا والآخرة؟ !
لا شك أن لزوجاته الطاهرات رضوان اللَّه عليهن أكبر الفضل في نقل جميع أحواله وأطواره وأفعاله المنزلية -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولقد أصبح من هؤلاء الزوجات معلمات ومحدثات فقلن هديه عليه الصلاة والسلام، واشتهرن بقوة الحفظ والنبوغ والذكاء.
ثانيًا: الحكمة التشريعية.
ونتحدث الآن عن الحكمة التشريعية التي هي جزء من حكمة تعدد زوجات الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهذه الحكمة ظاهرة تدرك بكل بساطة؛ وهي أنها كانت من أجل إبطال بعض العادات الجاهلية المستنكرة ونضرب لذلك مثلًا: بدعة التبني التي كان يفعلها العرب قبل الإسلام، فقد كان دينًا متوارثًا عندهم؛ يتبنى الرجل ولدًا ليس من صلبه ويجعله في حكم الولد الصلبي، ويتخذه ابنًا حقيقيًا له حكم الأبناء من النسب في جميع الأحوال: في الميراث، والطلاق، والزواج. . . إلخ
حيث كان الواحد منهم يتبنى ولد غيره، فيقول: له أنت ابني وترثني، وما كان الإسلام ليقرهم على باطل ولا ليتركهم يتخبطون في ظلمات الجهالة، فمهد بذلك أنه ألهم رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يتبنى زيد بن حارثة على عادة العرب قبل بعثته -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبعد ذلك زوجه الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- بابنة عمه زينب بنت جحش الأسدية -رضي اللَّه عنها-، وقد عاشت معه مده من الزمن، ولحكمة يريدها اللَّه تعالى: ساءت العلاقة بينهما، ثم طلقها زيد، ثم أمر اللَّه رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يتزوجها ليبطل بدعة التبني ويقيم أسس الإسلام، ويأتي على الجاهلية من قواعدها، ولكنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يخشى من ألسنة المنافقين أن يتكلموا فيه ويقولوا تزوج محمد امرأة ابنه؛ فكان يتباطأ حتى نزل العقاب الشديد لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في قوله تعالى: {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (٣٧)} (الأحزاب: ٣٧) وهكذا انتهى حكم التبني وبطلت تلك العادات التي كانت متبعة في الجاهلية؛ وكانت دينًا تقليديًا لا محيد عنه، ونزل قوله تعالى مؤكدًا هذا التشريع الجديد