شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [المائدة: ١٧]. فإذا كان المذكورون لا امتناع عندهم يمنعهم لو أراد الله أن يهلكهم ولا قدرة لهم على ذلك- دل على بطلان إلهية من لا يمتنع من الإهلاك، ولا في قوته شيء من الفكاك. ومن الأدلة أن {وَلِلَّهِ} وحده {مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}[آل عمران: ١٨٩] يتصرف فيهم بحكمه الكوني والشرعي والجزائي، وهم مملوكون مدبرون، فهل يليق أن يكون المملوك العبد الفقير، إلهًا معبودًا غنيًّا من كل وجه؟ هذا من أعظم المحال. ولا وجه لاستغرابهم لخلق المسيح عيسى ابن مريم من غير أب؛ فإن الله {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} إن شاء من أب وأم، كسائر بني آدم، وإن شاء من أب بلا أم، كحواء. وإن شاء من أم بلا أب، كعيسى. وإن شاء من غير أب ولا أم كآدم (١).
الدليل الثاني: يثبت أن المسيح عبد آتاه الله البينات وأيده بروع القدس: قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ}[البقرة: ٨٧]. وقوله تعالى:{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}[البقرة: ٢٥٣]. ووجه الاستدلال: هو أنه تعالى وصف عيسى بهذين مع أن سائر الرسل أيدوا بالبينات وبروح القدس؛ للرد على اليهود الذين أنكروا رسالته ومعجزاته؛ وللرد على النصارى الذين غلوا فزعموا ألوهيته؛ ولأجل هذا ذكر معه اسم أمه مهما ذكر؛ للتنبيه على أن ابن الإنسان لا يكون إلهًا، وعلى أن مريم أمة الله تعالى لا صاحبة؛ لأن العرب لا تذكر أسماء نسائها وإنما تكنى، فيقولون ربة البيت، والأهل،