وأيضًا ما قيمة إخبار الرسول - صلى الله عليه وسلم - بمادة السحر ومكانه إذا لم يكن لإخراجه واتلافه معنى وقيمة، ثم إن حصول الشفاء للرسول - صلى الله عليه وسلم - من ذلك الضرر من غير سلوك أسبابه قهرًا لأعدائه - صلى الله عليه وسلم - وإظهارًا لحماية الله تعالى وعصمته من كيد أعدائه كما يكون ذلك في حالة عدم تأثير السحر عليه لكن الله سبحانه وتعالى كما ابتلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - بتأثير السحر عليه لم يميزه بإزالة الأثر من غير تعاطي الأسباب وهو العليم الحكيم والشرع العليم لتكون القدرة للأمة بنبيها - صلى الله عليه وسلم - وقد أنزل الله سبحانه وتعالى المعوذتين لهذا السبب لطلب الالتجاء إلى الله تعالى بالدعاء ليحميه من أسباب الشر والضرر لأنه القادر على منع ذلك فالتعوذ بهاتين السورتين عبادة لله تعالى وسبب للوقاية من الأضرار والحمد لله رب العالمين. (١)
الوجه الرابع: أن حديث سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - يخالف قوله تعالى:{وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}.
والرد على ذلك نقول: أنه كلام حق أريد به باطل:
فهذا استدلال واهٍ جدًّا وهو استدلال بالمتشابه من المعاني فقوله تبارك وتعالى:{وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} حق وصدق يجب الإيمان به كسائر آيات الله ولكن الإيمان لا يكمُل إلا إذا فُسِّر القرآن تفسيرًا صحيحًا مجردًا عن الأهواء والأغراض والتعصب المذهبي.
أولًا: هذه الآية نزلت حينما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوم على حراسته - وهو سعد بن أبي وقاص - بعض أصحابه ولو كان في المعركة فأنزل الله عز وجل عليه هذه الآية وهو في كوخ صغير متواضع وبجانبه أحد أصحابه فلما نزلت هذه الآية صرفه وتلاها عليه {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} أي أن الله يعصمه من الناس أن يقتلوه قبل أن يتمكن من أن يقوم بواجب التبليغ لدعوة ربه.
إن سحر الأنبياء لا ينافي حماية الله تعالى لهم فإنه سبحانه كما يحميهم ويصونهم ويحفظهم ويتولاهم فيبتليهم بما شاء من أذى الكفار لهم ليستوجبوا كمال كرامته وليتسلى بهم من بعدهم من أممهم وخلفائهم إذا أوذوا من الناس فرأوا ما جرى على الرسل