بكونه مسحورا وقومه قذفوه بكونه ساحرا فالصواب هو الجواب الثالث وهو جواب صاحب الكشاف وغيره إن المسحور على بابه وهو من سحر حتى جن فقالوا مسحور مثل مجنون زائل العقل لا يعقل ما يقول فإن المسحور الذي لا يتبع هو الذي فسد عقله بحيث لا يدري ما يقول فهو كالجنون ولهذا قالوا فيه معلم مجنون فأما من أصيب في يده بمرض من الأمراض يصاب به الناس فإنه لا يمنع ذلك من اتباعه وأعداء الرسل لم يقذفوهم بأمراض الأبدان وإنما قذفوهم بما يحذرون به سفهاءهم من اتباعهم وهو أنهم قد سحروا حتى صاروا لا يعلمون ما يقولون بمنزلة المجانين ولهذا قال تعالى {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (٤٨)} [الإسراء: ٤٨] مثلوك بالشاعر مرة والساحر أخرى والمجنون مرة والمسحور أخرى فضلوا في جميع ذلك ضلال من يطلب في تيهه وتحيره طريقا يسلكه فلا يقدر عليه فإن أي طريق أخذها فهي طريق ضلال وحيرة فهو متحير في أمره لا يهتدي سبيلا ولا يقدر على سلوكها فهكذا حال أعداء رسول الله معه حتى ضربوا له أمثالا برأه الله منها وهو أبعد خلق الله منها وقد علم كل عاقل أنها كذب وافتراء وبهتان.
والله سبحانه وتعالى قادر على كل شيء على شفاء من يشاء من غير سبب والسحر من الأسباب التي يحصل بها الضرر وقد نال الرسول المعصوم - صلى الله عليه وسلم - ذلك الضرر وهو القدوة والأسوة قوله وفعله صلوات الله وسلامه عليه شرع وتنهج لأمته.
وقد بين الله تعالى له بواسطة الملكين سبب وجعه ومادته ومكانه وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "أشعرت أن الله أفتاني فيما فيه شفاني "أو" أعلمت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه" أو نحو ذلك.
وهذه الألفاظ توحي بإزالة السبب ليزول المسبب وهي الفتوى التي فيها الشفاء وقد بادر العبد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بإتيانها وإخراجها وحلها ليبطل تأثيرها وهذا مما لا يخفى حيث أن الأثر يزول بزوال مؤثره إذا كان مرتبطًا به كأثر المغناطيس في الجذب والبرودة في الثلج ونحو ذلك مما لا يزول أثره إلا بإزالته أو بأن يمنع من أثره مؤثر أقوى منه.