للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجمع أهل العلم على أن من أُكره على الكفر حتى خَشِيَ على نفسه القتل أنه لا يأثم عليه إن كفر وقلبه مطمئن بالإيمان، ولا تَبِينُ منه زوجته، ولا يحكم عليه بحكم الكفر (١).

[٢ - شروط الإكراه أربعة]

الأول: أن يكون فاعله قادرًا على إيقاع ما يهدد به والمأمور عاجزًا عن الدفع ولو بالفرار.

الثاني: أن يغلب على ظنه أنه إذا امتنع أوقع به ذلك.

الثالث: أن يكون ما هدده به فوريًا، فلو قال: إن لم تفعل كذا ضربتك غدًا لا يعد مكرهًا، ويستثنى ما إذا ذكر زمنًا قريبًا جدًّا أو جرت العادة بأنه لا يخلف.

الرابع: أن لا يظهر من المأمور ما يدل على اختياره كمن أكره على الزنا فأولج وأمكنه أن ينزع ويقول: أنزلت فيتمادى حتى ينزل، وكمن قيل له: طلق ثلاثًا فطلق واحدة، وكذا عكسه، ولا فرق بين الإكراه على القول والفعل عند الجمهور (٢).

[٣ - استعمال المعاريض.]

قال المحققون من العلماء: إذا تلفظ المكره بالكفر فلا يجوز له أن يجريه على لسانه إلا مجرى المعاريض فإن في المعاريض لمندوحة عن الكذب، ومتى لم يكن كذلك كان كافرًا لأن المعاريض لا سلطان للإكراه عليها مثاله: أن يقال له: اكفر بالله، فيقول: باللاهي، فيزيد الياء، وكذلك إذا قيل له: اكفر بالنبي، فيقول: هو كافر بالنبي - مشددًا - وهو المكان المرتفع من الأرض، ويطلق على ما يعمل من الخوص شبه المائدة؛ فيقصد أحدهما بقلبه ويبرأ من الكفر، ويبرأ من إثمه، فإن قيل له: اكفر بالنبيء مهموزًا فيقول: هو كافر بالنبيء؛ يريد بالمخبر أيَّ مخبرٍ كان كطليحة ومسيلمة الكذاب، أو يريد به النبيء الذي قال فيه الشاعر:

فأصبح رتما دقاق الحصى ... مكان النبيء من الكاث (٣)

[الصبر على العذاب أفضل من التلفظ بالكفر.]

أجمعوا على أنه لا يجب عليه التكلم بكلمة الكفر وإن اختار القتل فهو أعظم أجرًا عند


(١) تفسير القرطبي (١٠/ ١٦٠)، المغني لابن قدامة (١٠/ ٩٧)، وفتح الباري (١٦/ ٧٨).
(٢) فتح الباري (١٦/ ٧٨).
(٣) تفسير القرطبي (١٠/ ١٦٠)، تفسير الرازي (٢٠/ ٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>