غاية ما في المسلك الأول للسيوطي أن أبوي النبي - صلى الله عليه وسلم - من أهل الفترة، والراجح فيهم حسبا ما قرره أنهم يُمتَحنون ولا ندري ما يكون حالهم، فمنهم من يطيع فينجو، ومنهم من يعصي فيهلك، والجزم بأحد المصيرين لأبويه - صلى الله عليه وسلم - رجمٌ بالغيب لو لم يرد فيهما شيء، فكيف وقد جاء النص بأن أباه في النار ونُهِيَ عن الاستغفار لأمه؟ ! ، فلو صح أنهما من أهل الفترة لكان النص مفيدًا أنهما سيعصيان حتمًا، فيكون القول بنجاتهما باطلًا بأي حال.
قال ابن حجر في الإصابة: ونحن نرجو أن يدخل عبد المطلب وآل بيته في جملة من يدخلها طائعًا فينجو، لكن ورد في أبي طالب ما يدفع ذلك، وهوما تقدم من آية براءة، وما ورد في الصحيح عن العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه - أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ما أغنيت عن عمك أبي طالب، فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ فقال:"هو في ضحضاحٍ من النار". (١)
والرد على ذلك أن ما ذكره - رحمه الله - رجاءٌ، ولعله غفل عما أورده هو من النصوص في نفس الموضوع، التي تدل على أن أبا طالب مات على ملة عبد المطلب.
ثم غايته رجاء ولا يصح دليلًا يستدل به لو لم يأتِ في المسألة نصوص أخرى، فكيف وقد صحت النصوص بخلافه؟ !
[الوجه الخامس: شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة إنما تكون للموحدين، بل لمن أذن الله له - صلى الله عليه وسلم - أن يشفع فيهم من الموحدين.]
إن الله عز وجل عندما يُشَفِّعُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة، إنما يشفعه في أهل التوحيد فقط، بل ليس كلهم؛ لأن الشفاعة إنما تكون بإذن الله، ثم إنه - صلى الله عليه وسلم - لا يسأل الله ما ليس له، كما قال الله - تعالى - في شأن نوح عليه السلام عندما قال:{رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} قال له عز وجل: {فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}(هود: ٦٤)، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم أن الله لا يغفر الشرك، ولا يأذن في الشفاعة لأهله، وقد جاء ذلك صريحًا في حديث أنسِ بنِ مَالِك - رضي الله عنه - قَالَ: "يَجْمَعُ الله الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ فَيَقُولُونَ: لَوْ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ