للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جمع الأموال والغنائم من خلال الحروب التي خاضها هو وأصحابه، ابتغاء تحصيل مكاسبَ ماديةٍ وفوائد دنيويةٍ، حتى قال بعضهم: عاش محمد هذه السنين بعد هجرته إلى المدينة على التلصص والسلب واللهب. وهذا يفسر لنا تلك الشهوة التي أثرت على نفس محمدٍ، والتي دفعته إلى شن غاراتٍ متتابعةٍ، كما سيطرت على نفس الإسكندر من قبلُ، ونابليون من بعدُ! !

والحق: فإن الناظر في سيرته - صلى الله عليه وسلم -، والمتأمل في تاريخ دعوته، يعلم علم اليقين أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يسعى من وراء كل ما قام به إلى تحقيق أي مكسبٍ دنيويٍّ، يسعى إليه طلاب الدنيا واللاهثون وراءها بل كان أزهد الناس في الدنيا وما فيها، وكان أجود الناس؛ حتى إنه كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وعندما جاءته الدنيا وهي راغمةٌ بعدما فتح الله تعالى عليه بذلها كلها ولم يستبق لنفسه منها شيئًا. وهذا ردٌّ إجماليٌّ مختصر.

أما الرد التفصيليُّ فبيانه فيما يلي:

[الوجه الأول: لا دليل على هذه الشبهة من واقع حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وعيشة.]

إن ما ذكر في هذه الشبهة لا يوجد عليه دليل في واقع حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، إذ لو كان كما قيل لعاش عيش الملوك، في القصور والبيوت الفارهة، واتخذ من الخدم والحراس والحشم؛ بينما الواقع يشهد بخلاف ذلك، إذ كان في شظفٍ من العيش، مكتفيًا بما يقيم الحياة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهم - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ وَهُوَ عَلَى حَصِيرٍ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ فَقَالَ يَا نَبِيَّ الله لَوْ اتَّخَذْتَ فِرَاشًا أَوْثَرَ مِنْ هَذَا فَقَالَ مَا لِي وَللدُّنْيَا مَا مَثَلي وَمَثَلُ الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ سَارَ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ فَاسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا (١).

وِفي حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَدَمٍ وَحَشْوُهُ مِنْ لِيفٍ (٢).

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهم - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَبِيتُ اللَّيَالي المُتَتَابِعَةَ طَاوِيًا وَأَهْلُهُ لَا يَجِدُونَ عَشَاءً.

قَالَ: وَكَانَ عَامَّةُ خُبْزِهِمْ خُبْزَ الشَّعِيرِ (٣).


(١) مسند أحمد ١/ ٣٠١.
(٢) البخاري (٦٤٥٦).
(٣) رواه أحمد ١/ ٢٥٥، وابن ماجه (٣٣٤٧)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (٤٨٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>