للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوجه الثالث: فوائد النار في الدنيا التي تنفع في الآخرة.]

لقد بين لنا رب العزة سبحانه وتعالى فوائد النار التي ينتفع بها الإنسان في حياته الدنيوية في كتابه العزيز، والتي تنفع في الآخرة، قال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (٧١) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (٧٢) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (٧٣) يقول تعالى ذكره: أفرأيتم أيها الناس النار التي تستخرجون من زَنْدكم {أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا} يقول: أأنتم أحدثتم شجرتها واخترعتم أصلها {أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ} يقول: أَمْ نحن اخترعنا ذلك وأحدثناه؟ (١).

ثم بين منافع هذه النار فقال: {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ}.

في قوله: {تَذْكِرَةً} وجهان أحدهما: تذكرة لنار القيامة فيجب على العاقل أن يخشى الله تعالى وعذابه إذا رأى النار الموقدة. وثانيهما: تذكرة بصحة البعث، لأن من قدر على إيداع النار في الشجر الأخضر لا يعجز عن إيداع الحرارة الغريزية في بدن الميت، أي نحن جعلنا النار تبصرة في أمر البعث؛ حيث علقنا بها أسباب المعاش لينظروا إليها، ويذكروا بها ما أوعدوا به. وقال مجاهد وقتادة: أي تذكر النار الكبرى (٢).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "نَارُكُمْ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ" قِيلَ: يَا رَسُولَ الله، إِنْ كَانَتْ لَكَافِيةً. قَالَ: "فُضِّلَتْ عَلَيْهِنَّ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا" (٣).

وقال الشنقيطي: وقوله: {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً} أي تذكر الناس بها في دار الدنيا إذا أحسوا شدة حرارتها. نار الآخرة التي هي أشد منها حرًّا لينزجروا عن الأعمال المقتضية لدخول النار، وقوله تعالى {وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ} أي منفعة للنازلين بالقواء من الأرض، وهو الخلاء والفلاة التي ليس بها أحد، وهم المسافرون، لأنهم ينتفعون بالنار انتفاعًا عظيمًا في


(١) تفسير الطبري ٢٧/ ٢٠١، تفسير المراغي ٢٧/ ١٤٨، تفسير الرازي ٢٩/ ١٨٤.
(٢) تفسير الرازي ٢٩/ ١٨٤، تفسير المراغي ٢٧/ ١٤٨، تفسير ابن كثير ١٣/ ٣٨٦.
(٣) البخاري (٣٢٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>