للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى هذا المعنى يترتب قبول شهادة الناس الذين عاشوا مع هذا الميت وحضروا حاله ومعيشته، فهم يعلمون على أي شيء كان، فهم لا يتكلمون بغير علم أو على سبيل الظن، بل من طريق المعاينة والمشاهدة لحاله، ووجه قبول هذه الشهادة؛ أن الشهادة بالخير لمن شهد له ستر من الله سبحانه عليه في الدنيا، ومن ستر الله عليه في الدنيا لم يرفع عنه ستره في الآخرة، ومن لم يرفع الله عنه ستره في الآخرة أدخله الله الجنة، والشهادة بالشر في الدنيا: هو رفع الستر عن المشهود عليه، وهو في ذلك ضد من أثنى عليه خير في الدنيا فكذلك هو في الأخرى فيستحق النار (١).

فمن هذا الكلام يكون للشهادة الأهمية البالغة في تحديد مصير الإنسان، فهم يحكمون كما قلنا على ما عاينوه وشاهدوه.

ومن أهميتها أن يكون الله قد كتب لهذا الإنسان السعادة، وهو على بعض التقصير، فيقيد الله له من يشهد له عند خاتمته فيدخل الجنة بشهادة من عايشه وحاضره، وهذا من رحمة الله الواسعة. (٢) وكذلك من أهمية الشهادة أنها عاجل بشرى المؤمن.

فعَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنْ الْخَيْرِ وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ قَالَ: "تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى المُؤْمِنِ". (٣)

قال النووي: قال العلماء: معناه هذه البشرى المعجلة له بالخير، وهي دليل على رضاء الله تعالى عنه ومحبته له، فيحببه إلى الخلق كما سبق في الحديث ثم يوضع له القبول في الأرض، هذا كله إذا حمده الناس من غير تعرض منه لحمدهم، وإلا فالتعرض مذموم. (٤)

وإليك المعنى الصحيح للحديث:


(١) المعتصر من المختصر من مشكل الآثار ١/ ١١٦.
(٢) انظر شرح النووي لمسلم ٤/ ٢٣ - ٢٤.
(٣) مسلم (٢٦٤٢).
(٤) شرح النووي ٨/ ٤٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>