للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحسن البصري، والزهري، وأبي قلابة، وأبي مجلز، واحتج هؤلاء بحديث "توضئوا مما مسته النار"، واحتج الجمهور بالأحاديث الواردة بترك الوضوء مما مسته النار. وقد ذكر مسلم هنا منها جملة، وباقيها في كتب أئمة الحديث المشهورة وأجابوا عن حديث الوضوء مما مست النار بجوابين أحدهما: أنَّه منسوخ بحديث جابر - رضي الله عنه - قال: كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما مست النار.

وهو حديث صحيح رواه أبو داود والنسائي وغيرهما من أهل السنن بأسانيد صحيحة.

والجواب الثاني: أنَّ المراد بالوضوء غسل الفم والكفين.

وقد اعترض ابن عبد البر في "التمهيد" على هذا الجواب الثاني. (١)

ثم قال رحمه الله (أي النووي): ثم إن هذا الخلاف الذي حكيناه كان في الصدر الأول، ثم أجمع العلماء بعد ذلك على أنه لا يجب الوضوء بأكل ما مسته النار والله أعلم. (٢)

قال ابن عبد البر: وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "توضئوا مما مست النار" أمر منه بالوضوء المعهود للصلاة لمن أكل طعامًا مسته النار، وذلك عند أكثر العلماء، وعند جماعة أئمة الفقهاء منسوخ بأكله - صلى الله عليه وسلم - طعامًا مسته النار، وصلاته بعد ذلك دون أن يحدث وضوءًا فاستدل العلماء بذلك على أن أمره بالوضوء مما مست النار منسوخ، وأشكل ذلك على طائفة كثيرة من أهل العلم بالمدينة والبصرة، ولم يقفوا على الناسخ في ذلك من المنسوخ، أو لم يعرفوا غير الوجه الواحد، فكانوا يوجبون الوضوء مما مست النار.

ثم قال: والأصل أن لا ينتقض وضوء مجتمع عليه إلا بحديث مجتمع عليه أو بدليل من كتاب أو سنة لا معارض له. (٣)

الوجه السادس: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يُنْتَقض وضوئه بالنوم.

فقد أورد البخاري في صحيحه من حديث عائشة - رضي الله عنها - حديثا في قصة


(١) التمهيد لابن عبد البر ٣/ ٣٢٩.
(٢) شرح مسلم للنووي ٢/ ٢٧٩.
(٣) التمهيد لابن عبد البر ٣/ ٣٤٧، ٣٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>