للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وضع الحجر الأسود في مكانه (١)، والطب لم يخرج لنا مريضًا واحدًا مصابًا بمثل هذا المرض وقال كلامًا معقولًا وآراء راجحة.

الوجه التاسع: الصرع كان معروفًا عند العرب فما الجاهلية فلماذا لم يتهمه المشركون بمثل هذا؟ .

فضلًا عن هذا فالصرع كان مرضًا معروفًا لعرب الجاهلية، ولم يكن ليغيب عنهم كون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصابًا به لو كان حقًا. إذ لو كان مصابًا بمثل هذا لأخذ عليه المشركون مثل هذا، والدليل على هذا رواية المرأة السوداء الشهيرة في الصحيحين عن عَطَاء بْن أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلَا أرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتْ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: إِنِّي أصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ الله لِي، قَالَ: "إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ الله أَنْ يُعَافِيَكِ"، فَقَالَتْ: أَصْبِرُ فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ الله لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ "فَدَعَا لهَا". (٢)

فهذا كله فيه دليل على كون الصرع مرضًا معروفًا للعرب الجاهليين، ولم يكن يخفي عليهم إصابة الرسول - صلى الله عليه وسلم - به لو كان كذلك خاصةً مع وجود العديد من الصحابة ثاقبي النظر المعروفين بالفراسة، ودقة النظر، والذين لم تكن تخفى عليهم أدق الملاحظات كعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مثلًا.

لو كان النبي - صلى الله عليه وسلم - مصابًا بمرض الصرع، لذكر ذلك أصحابه الذين لم يتركوا صغيرة ولا كبيرة إلا نقلوها عنه، أو ذكره أعداؤه في ذلك العصر، هؤلاء الذين كانوا يتربصون بالنبي - صلى الله عليه وسلم - الدوائر، ويودون أن يظفروا منه ولو بشيء نذر يسير يعيرونه به.

أليس هم القائلون: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١)} فأقصى ما عابوه فيه - كما ترى - أنه فقير ومثله في نظرهم لا يحق أن يكون نبيًا.

فلو كان - صلى الله عليه وسلم - مريضًا بالصرع كما زعم هؤلاء الحاقدون؛ لوجد أعداؤه في ذلك فرصة سانحة للطعن عليه؛ لكن ما حدث ممن خلصت ضمائرهم بعض الوقت، وكانوا مع أنفسهم صادقين قبل ما يطرأ عليهم من إرهاب فكرى من أمثال الوليد بن المغيرة، والنضر بن الحارث الذي نفى في


(١) السيرة النبوية للذهبي (٣٣: ٣٢).
(٢) البخاري (٥٣٢٨)، مسلم (٢٥٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>