للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيظهر جليًا أن ما كان يعزي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هي حالة نفسية وجسدية لتلقي وحي الله سبحانه، فبالتالي فهناك فرق شاسع بين الحالتين: حالة الصرع التي تنتاب المصروعين، وحالة الوحي التي تعزي أنبياء الله - صلوات الله وسلامه عليهم - ولا شك أن الطعن في الوحي الذي نزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - طعن في كل ما نزل على أنبياء الله من قبل، وهذا لا يكون من مؤمن بالله وأنبيائه، ولا يكون إلا من ملحد لا ديني أحيل بين قلبه وبين الإيمان، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. (١)

يرد فريتهم أن الوحي أثر لمرض الهستريا الذي هو كما بينه الأساتذة (كريكيه)، (الأندوز)، و (شاركو) أنه مرض عصبي عضال، وهو وراثي أكثر إصابته في النساء، ومن أعراضه شذوذ في الخلق، وضيق في التنفس إلى حد الاختناق، ويظهر عليه ضيق في الصدر واضطراب في الهضم، وقد تصحب هذه الأعراض كذلك بحركة واضطراب في اليدين والرجلين إلى حد الشلل في بعض الأعضاء؛ فإذا تابع المرض تقدمه جاء دور التشنج فيسبقه بكاء وعويل، وكرب عظيم وهذيان، ينتهي إلى حد الإغماء، فإذا تجاوز هذه المرحلة فإن المريض يرى أشباحًا تهدده وتسخر منه، وأعداء تحاربه، ويسمع أصواتًا لا وجود لها في الحس والواقع.

وفي هذا الدور يقع المريض بحركة مضطربة، وقفز من مكان لمكان على صورة تلقي الذعر في قلب كل من يراه. (٢)

هذا الوصف لأعراض هذا المرض لم يكن يظهر منه شيء على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يتمتع بشهادة الأعداء قبل الأصدقاء بصحة جيدة، وعقل رصين، ونفس هادئة، وخلق كريم، وحركات متزنة، ويشهد لصحته وقوته صرعه ركانة بن عبد يزيد، الذي كان أقوى عصره (٣)، ويشهد لرجاحة عقله وسلامته فصله في خصومة قريش في شرف


(١) آراء المستشرقين حول القرآن، انظر المدخل لدراسة القرآن الكريم (١٠٨: ١٠٣).
(٢) انظر القرآن والمستشرقون، رابح جمعة (٢٧)، ومناهل العرفان للزرقاني (١/ ٧٤).
(٣) الاستيعاب في تمييز الأصحاب (١/ ٥١٥، ٥١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>