للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قلت: أما يشبه الحسد والحرص على الاستبداد بالنعمة أن يستعطي الله ما لا يعطيه غيره؟ قلت: كان سليمان - عليه السلام - ناشئًا في بيت الملك والنبوّة ووارثًا لهما، فأراد أن يطلب من ربه معجزة، فطلب على حسب ألفه ملكًا زائدًا على الممالك زيادة خارقة للعادة بالغة حدّ الإعجاز، ليكون ذلك دليلًا على نبوّته قاهرًا للمبعوث إليهم، وأن يكون معجزة حتى يخرق العادات، فذلك معنى قوله: {لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} وقيل: كان ملكًا عظيمًا، فخاف أن يعطى مثله أحد فلا يحافظ على حدود الله فيه، كما قالت الملائكة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ. . .} [البقرة: ٣٠].

وقيل: يجوز أن يقال: علم الله فيما اختصه به من ذلك الملك العظيم مصالح في الدين، وعلم أنه لا يضطلع بأعبائه غيره، وأوجبت الحكمة استيهابه، فأمره أن يستوهبه إياه، فاستوهبه بأمر من الله على الصفة الذي علم الله أنه لا يضبطه عليها إلا هو وحده دون سائر عباده (١).

وقيل: سأل ذلك ليكون علمًا وآية لنبوته، ومعجزة دالة على رسالته ودلالة قبول توبته (٢).

[الوجه الرابع: إثبات الملك لسليمان - عليه السلام - من القرآن والسنة.]

أولًا: من القرآن:

قال تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (٨١) وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (٨٢)} [الأنبياء: ٨١، ٨٢].

قوله: {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ} مكان الخيل التي شغلته عن الصلاة {تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً} يعني: رِخوة لينة، وهي من الرخاوة، وقيل: يعني مطيعة لسليمان، وقيل: ليست بعاصفة ولا بطيئة، وقوله: {حَيْثُ أَصَابَ} حيث أراد، من قولهم: أصاب الله بك خيرًا، أي: أراد الله بك خيرًا (٣).


(١) الكشاف للزمخشري (٤/ ٩٥).
(٢) تفسير الخازن (٤/ ٣٤).
(٣) تفسير الطبري (٢٣/ ١٦١: ١٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>