للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى عَلَى التَّلَذُّذِ بِإِرْضَاعِ أَوْلَادِهِنَّ وَالْغِبْطَةِ بِهِ، قَدْ صَارَ نِسَاءُ الْأَغْنِيَاءِ مِنْهُنَّ يَرْغَبْنَ عَنْهُ ترَفُّعًا وَطَمَعًا فِي السِّمَنِ وَبَقَاءِ الْجَمَالِ، أَوِ ابْتِغَاءَ سُرْعَةِ الْحَمْلِ، وَكُلُّ هَذَا مُقَاوَمَةٌ لِلْفِطْرَةِ وَمَفْسَدَةٌ لِلنَّسْلِ، وَقَدْ فَطِنَ لَهُ مَنْ عَرَفَ سُنَنَ الْفِطْرَةِ مِنَ الْأُمَمِ المُرْتَقِيَةِ بِالْعِلْمِ وَالتَّرْبِيَةِ، حَتَّى بَلَغَنَا أَنَّ قَيْصَرَةَ الرُّوسِيَّةِ تُرْضِعُ أَوْلَادَهَا وَتُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْمَرَاضِعَ (١).

[الوجه الرابع: أهمية الرضاع في الإسلام وبيانه من الناحية الطبية.]

أولًا: أهمية الرضاع في الإسلام.

لما كان الإسلام هو دين الفطرة والدين الذي ارتضاه اللَّه تعالى لعباده، قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (آل عمران: ١٩)، وقال تعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٣٠)} (الروم: ٣٠)، فكان أمرًا طبيعيًا أن يرشدنا هذا الدين الحنيف إلى الفطرة في كل شيء، وإِنْ كَانَتِ الْفِطْرَةُ تَقْضِي بِهِ فَدِينُنَا دِينُ الْفِطْرَةِ، وَإِنْ كَانَ الْعِلْمُ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَقَدْ عَلَّمَنَا اللَّه ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ، وَلَمْ نَعْرِفْ أَنَّ دِينًا أَرْشَدَ إِلَى مَا أَرْشَدَ إِلَيْهِ دِينُنَا مِنْ ذَلِكَ (٢)، فقال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ} وقال تعالى لأم موسى عليه السلام: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} (القصص: ٧)، فجَاءَ الْأَمْرُ الْإِلَهِيُّ بِإِرْضَاعِ الْأُمَّهَاتِ أَوْلَادَهُنَّ عَلَى مُقْتَضَى الْفِطْرَةِ، فَأَفْضَلُ اللَّبَنِ لِلْوَلَدِ لَبَنُ أُمِّهِ بِاتِّفَاقِ الْأَطِبَّاءِ؛ أَيْ: لِأَنَّهُ قَدْ تَكَوَّنَ مِنْ دَمِهَا فِي أَحْشَائِهَا، فَلَمَّا بَرَزَ إِلَى الْوُجُودِ تَحَوَّلَ اللَّبَنُ الَّذِي كَانَ يَتَغَذَّى مِنْهُ الرَّحِمُ إِلَى لَبَنٍ يَتَغَذَّى مِنْهُ فِي خَارِجِهِ، فَهُوَ اللَّبَنُ الَّذِي يُلَائِمُهُ وَيُنَاسِبُهُ (٣)، ولحثِّ الأمِ على إرضاع ولدها، وأن ذلك بأهمية بمكان روى مسلم في صحيحه أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جَاءَتْه امْرَأَةٌ مِنْ غَامِدٍ مِنَ الأَزْدِ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّه طهّرني، فَقَالَ: "وَيْحَكِ ارجعي؛ فاستغفري اللَّه وتوبي إِلَيْهِ" فَقَالَتْ:


(١) تفسير المنار (المصدر السابق)، وانظر تفسير آيات الأحكام للصابوني (١/ ٣٥٨، ٣٥٧).
(٢) انظر تفسير المنار (٢/ ٤١٧).
(٣) انظر تفسير المنار (٢/ ٤١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>