ومن ثَمَّ فإن وجود الحيثيين في فلسطين قبل الغزو الإسرائيلي بقيادة يشوع (في النصف الأول من القرن الثاني عشر قبل الميلاد) -فضلًا عن أن يكون ذلك على أيام إبراهيم الخليل- إنما يثير مشكلة عجيبة، لم يجد لها النقاد من تعليل، سوى نسبة نصوص التوراة - التي تتردد فيها كلمة (بني حث) و (حيثى)، و (حيثيات) - إلا للكاتب الكهنوتي في العهد التالي للمنفي، ومن ثم فليست بالدليل التاريخي ذو القيمة الكبيرة. (١)
ثانيًا: الخطأ في تاريخ تسمية فلسطين
موضع الخطأ: أن سفر الخروج يقول: (تأخذه الرعدة سكان فلسطين)(الخروج: ١٥/ ١٤).
بيانه: من المعروف تاريخيًا أن كلمة (فلسطين)(وهي مشتقة من كلمة (برست) أو (بلستيا) نسبة إلى قبائل (البلست))، لم تطلق على (أرض كنعان) إلا بعد غزو (شعوب البحر) لمصر وسورية من جزرهم، على أيام فرعون مصر العظيم (رمسيس الثالث)(١١٨٢ - ١١٥١ ق. م) إذ اشتركت قبائل البلست (الهندو أوربية) في الغزو الذي قام به أقوام البحر هؤلاء في السنة الثامنة من عهد رعمسيس الثالث (حوالي عام ١١٧٤ ق. م) ثم انتهى بالنسبة لهم في معركة بحرية وأخرى برية، ثم سمح لهم الفرعون بعد ذلك بالإقامة في سواحل سورية الجنوبية في المنطقة ما بين يافا وغزة، وكانت أهم مدنهم غزة وعسقلان وأشدود وعفرون وجت، ثم أطلق اليونان اسمهم على كنعان، ومن ثم فقد احتفظ باسم قبائل البلست على فلسطين، وإن كان ذلك لا يرجع إلى أنهم قد أصبحوا غالبية السكان فيها، أو أنهم قد بسطو نفوذهم عليها جميعًا ولكن ربما لأنهم آخر من نزل بها وإلى كثرة ترديد التوراة لاسمهم.
وهكذا يبعد العهد بموسى - عليه السلام - (القرن الثالث عشر ق. م) عن ظهور هذه التسمية، مما يدل على أن إطلاقها على أيامه إنما كان خطأ تاريخيًا كما يجعلنا -في الوقت نفسه-
(١) بنو إسرائيل الحضارة التوراة والتلمود ٢٢١ - ٢٢٢.