للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعنى وضع عيسى الجزية مع أنها مشروعة في هذه الشريعة أن مشروعيتها مقيدة بنزول عيسى لما دل عليه هذا الخبر، وليس عيسى بناسخ لحكم الجزية بل نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- هو المبين للنسخ بقوله هذا، قوله: ثم يقول أبو هريرة: واقرؤوا إن شئتم {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ}، و (وإن) بمعنى: ما؛ أي: لا يبقى أحد من أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى إذا نزل عيسى إلا آمن به، وهذا مصير من أبي هريرة إلى أن الضمير في قوله: {إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ} وكذلك في قوله: {قَبْلَ مَوْتِهِ} عود على عيسى؛ أي: إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى، وبهذا جزم ابن عباس فيما رواه ابن جرير من طريق سعيد بن جبير عنه بإسناد صحيح، ومن طريق أبي رجاء عن الحسن قال: قبل موت عيسى، واللَّه إنه الآن لحي ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعون، ونقله عن أكثر أهل العلم ورجحه ابن جرير وغيره.

قال العلماء: الحكمة في نزول عيسى دون غيره من الأنبياء الرد على اليهود في زعمهم أنهم قتلوه، فبين اللَّه تعالى كذبهم وأنه الذي يقتلهم، أو نزوله لدنو أجله ليدفن في الأرض، إذ ليس لمخلوق من التراب أن يموت في غيرها (١).

[٤ - اختيار العمل.]

يتمتّع الذّمّيّ باختيار العمل الّذي يراه مناسبًا للتكسّب، فيشتغل بالتّجارة والصّناعة كما يشاء، فقد صرّح الفقهاء أنّ الذّمّيّ في المعاملات كالمسلم، هذا هو الأصل، أمّا الأشغال والوظائف العامّة فما يشترط فيه الإسلام كالخلافة، والإمارة على الجهاد، والوزارة وأمثالها - فلا يجوز أن يعهد بذلك إلى ذمّيٍّ، وما لا يشترط فيه الإسلام كتعليم الصّغار الكتابة، وتنفيذ ما يأمر به الإمام أو الأمير، يجوز أن يمارسه الذّمّيّون (٢).


(١) فتح الباري (٦/ ٤٩١).
(٢) الموسوعة الفقهية الكويتية تحت مصطلح عقد الذمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>