للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفصّل الشّافعيّة بين القرى العامّة والقرى الّتي ينفرد بها أهل الذّمّة، فلا يمنعون في الأخيرة من إظهار عباداتهم. (١)

ومما ينبغي أن يعلم أن أخذ الجزية منهم وتركهم على عقيدتهم وعبادتهم ممتد إلى زمن معين ثم لا تقبل منهم الجزية، ولا يقبل منهم إلا الإسلام، وهذا عند نزول المسيح -عليه السلام-، فعن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم -صلى اللَّه عليه وسلم- حكمًا مقسطًا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضح الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خيرًا من الدنيا وما فيها" ثم يقول أبو هريرة: واقرؤوا إن شئتم: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (١٥٩)} (النساء: ١٥٩). (٢)

فقوله: "حكمًا مقسطًا" أي: حاكمًا، والمعنى أنه ينزل حاكمًا بهذه الشريعة؛ فإن هذه الشريعة باقية لا تنسخ، بل يكون عيسى -عليه السلام- حاكمًا من حكام هذه الأمة، (والمقسط العادل بخلاف القاسط فهو الجائر).

وقوله: "فيكسر الصليب ويقتل الخنزير" أي: يبطل دين النصرانية بأن يكسر الصليب حقيقة، ويبطل ما تزعمه النصارى من تعظيمه، قوله: "ويضح الجزية" أي: أن الدين يصير واحدًا فلا يبقى أحد من أهل الذمة يؤدي الجزية، وقيل: معناه أن المال يكثر حتى لا يبقى من يمكن صرف مال الجزية له فتترك الجزية استغناءً عنها، وقال عياض: يحتمل أن يكون المراد بوضع الجزية تقريرها على الكفار من غير محاباة، ويكون كثرة المال بسبب ذلك، وتعقبه النووي وقال: الصواب في معناه أنه لا يقبلها ولا يقبل من الكفار إلا الإسلام ومن بذل منهم الجزية لم يكفِ عنه بها، بل لا يقبل إلا الإسلام أو القتل. قلت: -ابن حجر- ويؤيده أن عند أحمد من وجه آخر عن أبي هريرة: "وتكون الدعوى واحدة" قال النووي:


(١) الموسوعة الفقهية الكويتية مصطلح عقد الذمة.
(٢) أخرجه البخاري (٢١٠٩، ٣٢٦٤)، ومسلم (٢٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>