للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من المعاني، فإنَّ أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمد النبي، قال هذا الكلام وأمثاله علانية، وبلغه الأمة تبليغا عاما لم يخص به أحدا دون أحد، ولا كتمه عن أحد، وكانت الصحابة والتابعون، تذكره وتأثره وتبلغه وترويه في المجالس الخاصة والعامة، واشتملت عليه كتب الإسلام التي تُقرأ في الجالس الخاصة والعامة كصحيحي البخاري ومسلم، وموطأ مالك، ومسند الإمام أحمد، وسنن أبى داود، والترمذي، والنسائي، وأمثال ذلك من كتب المسلمين، لكن من فهم من هذا الحديث، وأمثاله ما يجب تنزيه الله عنه كتمثيله بصفات المخلوقين، ووصفه بالنقص المنافي لكماله الذي يستحقه؛ فقد أخطأ في ذلك، وإن أظهر ذلك مُنع منه، وإن زعم أن الحديث يدل على ذلك ويقتضيه فقد أخطأ أيضًا في ذلك، فإن وصفه سبحانه وتعالى في هذا الحديث بالنزول هو كوصفه بسائر الصفات كوصفه بالاستواء إلى السماء، وهي دخان ووصفه بأنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش، ووصفه بالإتيان والمجيء في مثل قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} [البقرة: ٢١٠]، وقوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} [الأنعام: ١٥٨]، وقوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} (الفجر: ٢٢)، وكذلك قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الفرقان: ٥٩]، وقوله: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} [الذاريات: ٤٧]، وقوله: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الروم: ٤٠] وقوله: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} [السجدة: ٥] وأمثال ذلك من الأفعال التي وصف الله تعالى بها نفسه. (١)

[الوجه الرابع: أقوال أهل العلم في إثبات النزول.]

قال الإمام أحمد: قال حنبل بن إسحاق، قال: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن


(١) مجموع الفتاوى ٥/ ٣٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>