لقد ابتدأت الكنيسة صك الغفران بمسألة الاعتراف بالذنوب عند الموت والتوبة، ثم تولى القسيس مسح هذه الذنوب والشخص لم يودع الدنيا، ثم انتقلت من ذلك إلى أن جعلت لنفسها الحق في الغفران والشخص قوي يستقبل الحياة، ولا يودعها ويقبل على متعها، ولا يدبر عنها، وغالت فجعلت لنفسها حق غفران ما تقدم وما تأخر من الذنوب، ثم أغرقت في المغالاة فاتخذها رجال الدين بابًا من أبواب الكسب للكنيسة. ثم إنهم ينفقون ما يجمعون من مال فيما يحله الدين والأخلاق وما قد يحرمانه وبذلك طم، حتى جاوز الحزام الطبيين.
[ثالثا: مقاومة النصرانية للعلم]
لا أجد في التاريخ ذكرًا للعلم والفلسفة بعد ظهور المسيحية في مظهر القوة لعهد قسطنطين وما بعده إلا في أثناء المنازعات الدينية التي كان يفصل فيها تارة بسلطان الملوك، وأخرى بجمع المجامع، وثالثة بسفك الدماء، فتخمد شعلة العلم وينتصر الدين المحض. وإنما الذكر كل الذكر لما كان بين المسيحية وما جاورها من الملل الأخرى من الحروب الدينية للحمل على العقيدة بما كان يعتقد المسيحيون وما كان يقع بين ملوك أوربا من التسافك في الدماء بإغراء رؤساء الكنيسة، وأمر ذلك معروف عند من له إلمام بالتاريخ وليس من موضعونا الكلام فيه.
ولكني أرى شبه نزاع بين العلم والدين ظهر في أوروبا بعد ظهور الإسلام واستقرار سلطانه في بلاد الأندلس واحتكاك الأوربيين بالمسلمين في الحروب الصليبية.
رجع الآلاف من الغزاة الصليبيين إلى بلادهم وحملوا إلى الناس أخبارًا تناقض ما كان ينشره دعاة الحرب من رؤساء الكنيسة من أن المسلمين جماعة من الوثنيين غلبوا على الأرض المقدسة وأجلوا عنها دين التوحيد، ونفوا منها كل فضيلة وإخلاص، وهم وحوش ضارية، وحيوانات مفترسة. فلما قفل الغزاة إلى ديارهم قصوا على قومهم أن أعداءهم كانوا أهل دين وتوحيد ومروءة، وذوي ود ووفاء وفضل مجاملة.
ثم كان الخليفة الحكم الثاني جعل من بلاد الأندلس فردوسًا، كما قال الفيلسوف الأميركاني،