الإعطاء والمنح؟ لقد أتى حين من الدهر من بعد أن أعطى رجال الدين أنفسهم ذلك الحق، أن أفرطوا في إعطائه إفراطًا شديدًا وأنشأوا صكوكًا تباع وتشترى، فباعوها كأنها عرض من أعراض الدنيا، ومتعة من متاعها، وبذل العصاة في سبيلها المال، وما كان عليهم من حرج في أن يرتكبوا ما شاءوا من الموبقات، وينالوا ما تهوى الأنفس من معاص. . ما دام ذلك يفتدى بمال قل أو جل، وهذا نص صك الغفران الذي بياع بيع السلعة، وإليك صورة من صك الغفران:
(ربنا يسوع المسيح يرحمك يا فلان، ويحلك باستحقاقات آلامه الكلية القداسة، وأنا بالسلطان الرسولي المعطى لي أحلك من جميع القصاصات، والأحكام والطائلات الكنسية التي استوجبتها، وأيضًا من جميع الأفراط والخطايا والذنوب التي ارتكبتها مهما كانت عظيمة وفظيعة، ومن كل علة، وإن كانت محفوظة لأبينا الأقدس البابا، والكرسي الرسولي، وأمحو جميع أقذار المذنب وكل هلامات الملامة التي ربما جلبتها على نفسك في هذه الفرصة، وأرفع القصاصات التي كنت تلتزم بمكابدتها في المطهر، وأردك حديثًا إلى الشركة في أسرا الكنيسة، وأقرنك في شركة القديسين، وأردك ثانية إلى الطهارة والبر اللذين كانا عند معموديتك، حتى أنه في ساعة الموت يغلق أمامك الباب الذي يدخل منه الخطاة إلى محل العذاب والعقاب، ويفتح الباب الذي يؤدي إلى فردوس الفرح، وإن لم تم سنين مستطيلة فهذه النعمة تبقى غير متغيرة، حتى تأتي ساعتك الأخيرة باسم الآب والابن والروح القدس).
هذه صورة من صور صك الغفران تذكر أنها تمحو الآثام، وتغفر ذنوب العاصي ما تقدم منها وما تأخر تغسله من ذنوبه الماضية حتى يصير طاهرًا، ثم لا يصير قابلًا لأن تؤثر فيه الذنوب مهما يرتكب من خطايا، ومهما ينغمس في المعاصي. كأن ذلك الصك جواز المرور إلى النعيم المقيم، لا يعوق حامله عائق، ولا يرده عن الوصول خازن أو حارس.
هذا ما يدل عليه الصك، وهذا ما كانت تحاول الكنيسة أن تلقيه في روع الناس تمكينًا لسلطانها، ورغبة في نقودهم التي يبذلونها للكنيسة في سبيل الحصول على ذلك الصك