للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله عزَّ وجلَّ: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (٢) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} أي: يحصل له زكاة وطهارة في نفسه. {أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (٤)} أي: يحصل له اتعاظ وانزجار عن المحارم، {أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (٥) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (٦)} أي: أما الغني فأنت تتعرض له لعله يهتدي، {وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (٧) أي: ما أنت بمطالب به إذا لم يحصل له زكاة.

{وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (٨) وَهُوَ يَخْشَى} أي: يقصدك ويؤمك ليهتدي بما تقول له، {فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى} أي: تتشاغل. ومن هاهنا أمر الله عزَّ وجلَّ رسوله - صلى الله عليه وسلم - ألا يخص با لإنذار أحدًا، بل يساوى فيه بين الشريف والضعيف، والفقير والغني، والسادة والعبيد، والرجال والنساء، والصغار والكبار. ثم الله يهدي من يشاء (١).

عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: أُنْزِلَ {عَبَسَ وَتَوَلَّى} في ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى أَتَى رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَجَعَلَ يَقُولُ يَا رَسُولَ الله أَرْشِدْنِي وَعِنْدَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ مِنْ عُظَمَاءِ المُشْرِكِينَ فَجَعَلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُعْرِضُ عَنْهُ وَيُقْبِلُ عَلَى الْآخَرِ وَيَقُولُ: أَتَرَي بِمَا أَقُولُ بَأْسًا؟ فَيَقُولُ لَا، فَفِي هَذَا أنزِلَت {عَبَسَ وَتَوَلَّى} (٢).

[الوجه الثاني: بيان العلة والسبب الذي شغل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ابن أم مكتوم - رضي الله عنه -.]

ليس في القصة ما يفيد احتقاره - صلى الله عليه وسلم - لعبدالله بن أم مكتوم، فإنه لم يعرض عن ابن أم مكتوم قصدًا لإساءته ولا استصغارًا لشأنه، وإنما فعل ذلك حرصًا منه على أن يتفرغ لما هو فيه من دعوة أولئك الأشراف وتهالكًا على إيمانهم، لأنه كان يرجو أن يسلم بإسلامهم خلق كثير ويطمع في ذيوع أمره إذا انضم هؤلاء إليه وكفوا عن مناضلته والكيد له، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذن يبتغي بعمله التقرب إلى ربه عزَّ وجلَّ كان جادًا في نشر الدعوة مستغرقًا فيما رآه


(١) تفسير ابن كثير (١٤/ ٢٤٦)، فتح القدير للشوكاني (٥/ ٥٤٤)، تفسير القرطبي (١٩/ ٢٠٢).
(٢) أخرجه الترمذي (٣٣٣١)، موطأ مالك (٥١٩)، موارد الظمآن لابن حبان (١٧٦٩)، والحاكم في المستدرك (٢/ ٥١٤) وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه فقد أرسله جماعة عن هشام بن عروة، قال الذهبي: وهو الصواب، وقال الألباني -رحمه الله- إسناده صحيح. الصحيحة (٢٦٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>