للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدنايا، وأشدهم ذكاء وفراسة حتى مدحه الله بقوله في سورة ن: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم: ٤). لا شك أن هذه الخرافة مما يلتحق بخرافة الغرانيق، وضَعها أعداء الدين ليصلوا بها إلى أغراضهم، والحمد لله قد ناقضت النقل والعقل، فلم تبق شبهة في أن الحقيقة ما نقلناه لك أولًا، وهو الذي يستفاد من القرآن الشريف، قال تعالى في سورة الأحزاب: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (٣٧)} (الأحزاب: ٣٧).

والذي أبداه الله هو زواجه بها، ولم يبد غير ذلك وهذا القرآن أعظم شاهد. (١)

[الوجه الثالث عشر: بيان أن هذه القصة من دلائل نبوته - صلى الله عليه وسلم -]

فلو كان متكلمًا من عند نفسه لما قال عن نفسه {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ}، وعن عائشة - رضي الله عنه - أنها قالت: لو كتم محمد - صلى الله عليه وسلم - شيئًا مما أوحي إليه من كتاب الله، لكتم: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} وقوله: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} الوطر: هو الحاجة والأرب، أي: لما فَرَغ منها، وفارقها، زَوّجناكها، وكان الذي وَلي تزويجها منه هو الله - عز وجل -، بمعنى: أنه أوحى إليه أن يدخل عليها بلا ولي ولا مهر ولا عقد ولا شهود من البشر.

وقال السعدي: في ذكر فوائد القصة:

ومنها أن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، قد بلغ البلاع المبين، فلم يدع شيئًا مما أوحي إليه، إلا وبلغه، حتى هذا الأمر، الذي فيه عتابه، وهذا يدل، على أنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يقول إلا ما أوحي إليه، ولا يريد تعظيم نفسه (٢).


(١) نور اليقين ص (١٢٤ و ١٢٥).
(٢) تفسير السعدي ١/ ٦٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>