من يفقنها في الجمال، وللأبكار ما لهن من جاذبية وروعة، ومن قضى بغير ذلك: فقد خالف سنة الله في الفطرة، واتبع شواذ العادات.
ولم يكن زواج رسول الله بزوجاته إلا لحكم ومقاصد سامية، ثم قال: وزواجه بالسيدة: زينب بنت جحش؛ لإبطال هذه العادة، ويطول بي القول لو استقصيت الحكم في زواجه - صلى الله عليه وسلم - فلذلك مقام آخر. والعجب من هؤلاء الطاعنين إذا وقعوا على ما يشفي غليلهم من باطل الروايات، تمادوا في قلب الحقائق، وأنكروا عقولهم، وتجاهلوا الظروف والملابسات، والبيئة، وأحكامها، والعادات وسلطانها إلى غير ذلك مما يتفيهقون به، بينما يطيشون بالحكم على روايات في غاية الصحة بأنها موضوعة؛ ولا حامل لهم في الحالين إلا الهوى والتعصب. وبعد: فإذا كانت القصة كما رأيت، لا سند لها من جهة النقل، وحياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تكذبها، وطبيعة البيئة التي جرت فيها تجلت أصولها، فلم يبق إلا أنها موضوعة (١).
وبنحو هذا قال الشيخ محمد بن عفيفي الخضري: ومما جاء فيه بعد الإشارة إلى ما ذكره المؤرخون: وهذا مما يكذبه أن نساء العرب اتكن قبل ذلك تعرف ستر الوجوه، وزينب بنت عمته أسلمت قديمًا، ورسول الله بمكة، فكيف لم يرها، وقد مضى على إسلامها نحو عشر سنوات وهي بنت عمته، إلا حينما رفعت الريح الستر مصادفة، ورسول الله هو الذي زوجها زيدًا؟ فلو كانت له فيها رغبة حب أو عشق لتزوجها، هو ولا مانع يمنعه من ذلك، ومن منا يتصور السيد الأكرم يقول لقومه إنه مرسل من ربه، ويتلو عليهم صباح مساء أمر الله له بقوله في سورة الحجر المكية:{لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ}(الحجر: ٨٨). وفي سورة طه المكية أيضًا:{وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}(طه: ١٣١). ثم هو بعد ذلك يدخل بيت رجل من متبعيه، وينظر إلى زوجه مصادفة ثم يشتهي زواجها؟ إن هذا لأمر عظيم تقشعر بذلك صدورنا، ولو حدث أمر مثل ذلك من أقل الناس لعيب عليه، فكيف بمن اجتمعت كلمة المؤرخين على أنه أحسن الناس خلقًا، وأبعدهم عن
(١) الإسرائيليات في التفسير للشيخ محمد أبي شهبة رحمه الله صـ (٣٢٣) بتصرف.