في كلامه بالسبب الباعث على هذا الزواج فقال:{لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا}، هذا هو التفسير الذي يتفق مع الحق والواقع. وقد نسج المستشرقون، والمبشرون، أعداء الدين، من تلك الروايات المختلقة الواهية ثوبًا من الكذب والخيال، وصوروا السيدة زينب وقد رآها النبي الطاهر، كما يصور الشباب الطائش إحدى غادات المسرح، وطعنوا في غير مطعن، فالروايات ليس لها أساس من الصحة فبناؤهم على غير أساس.
روى ابن مردويه عن ابن عباس - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزينب:"إني أريد أن أزوجك زيد بن حارثة، فإني قد رضيته لك"، قالت: لكني لا أرضاه لنفسي، وأنا أيّم قومي، وبنت عمتك، فنزلت الآية:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ} قالت: قد أطعتك، فاصنع ما شئت، فغير معقول، والحال كما ذكرت، ألا يكون شاهدها، فلو كان يهواها، أو وقعت من قلبه، فأي شيء كان يمنعه من زواجها، وإشارة منه كافية؛ لأن يقدموها له وما ملكت؟ فمثله وهو قي الذروة من قريش نسبًا وخلقًا ودينًا، ما كان يقدع أنفه.
ومن بعد ذلك، فحياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من صباه إلى كهولته إلى أن توفي ترُدُّ هذه الفرية؛ فحياته لم تكن حياة حب واستهتار، وإنما كانت حياة الشرف والكرامة، ما عرفت الدنيا أطهر ذيلًا منه، ولا أعف منه، ولا لمست يدُه قطُّ يدَ امرأة لا تحل له بشهوة (١)، وكيف يكون على هذا الحال - الذي افتروه من خاطبه - من يعلم السر وأخفى، بقوله:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(القلم: ٤)، ولو كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاحب هوى، أو غرام لأشبع رغبته وهو في ميعة الصبا وشرخ الشباب، أيام أن كان الغيد الكواعب من بنات الأشراف تشرئب أعناقهن إلى أن يكنّ حليلات له، ولكنه قضى شبابه مع سيدة تزيد على الأربعين، ورضيها زوجًا له، حتى توفاها الله، ومهما قيل في جمالها: فهناك غيرها من الأبكار الشابات