للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حاتم أيضًا، والطبري، كلٌّ بسنده عن علي بن الحسين بن علي، قال: أعلم الله نبيه أن زينب ستكون من أزواجه، قبل أن يتزوجها، فلما أتاه زيد يشكوها، وقال له: "اتق الله، وأمسك عليك زوجك"، قال الله: قد أخبرتك أني مزوجكها، وتخفي في نفسك ما الله مبديه، ثم ذكر قول ابن كثير السابق ثم قال: التفسير الصحيح للآية:

وهاك تفسير الآية الذي يساير روحها ونصها، وتشهد له الروايات الصحيحة، وتتجلى فيه حكمة الله العالية؛ ذلك: أن العرب كان من عادتها التبني، وكانت تلحق الابن المتبنى بالعصبي، وتجري عليه حقوقه في الميراث، وحرمة زوجته على من تبناه، وكانت تلك العادة متأصلة في نفوسهم، كما كان كبيرًا أن تتزوج بنات الأشراف من موال، وإن أعتقوا، وصاروا أحرارًا طلقاء، فلما جاء الإسلام، كان من مقاصده: أن يزيل الفوارق بين الناس التي تقوم على العصبية، وحمية الجاهلية، فالناس كلهم لآدم وآدم من تراب، وأن يقضي على حرمة زوجة الابن المتبنى، وقد شاء الله أن يكون أول عتيق يتزوج بعربية في الصميم من قريش هو زيد، وأن يكون أول سيد يبطل هذه العادة - حرمة زوجة الابن المتبنى - هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما على بنات الأشراف أن يتزوجوا بأزواج أدعيائهم، وقد قضوا منهن وطرًا، وإمام المسلمين ومن يصدع بأمر الله، قد فتح هذا الباب وتزوج حليلة متبناه بعد فراقها، وقد كان كلُّ ما أرد الله، فرسول الله يخطب زينب لزيد، فتأبى، ويأبى بعض أهلها، ويكرر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الطلب، وينزل الوحي بذلك: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}؛ فلم يبق إلا الإذعان من زينب وأهلها، ولكن زيدًا وجد منها تعاظمًا، فيرغب في فراقها، ويستشير الرسول، فينصحه بإمساكها، وكان جبريل قد أخبر رسول الله بأن زينب ستكون زوجة له، وسيبطل الله بزواجه منها هذه العادة، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجد غضاضة على نفسه أن يأمر زيدا بطلاقها، ويتزوجها من بعد، فتشيع المقالة بين الناس، أن محمدًا تزوج حليلة ابنه، وبذلك: يصير عرضة للقيل والقال من أعدائه، وهو في دعوته إلى دين الله أحوج إلى تأييد المؤيدين، فهذا المقدار من خشية الناس حتى أخفى ما أخبره الله به - وهو نكاحها - هو ما عاتبه الله عليه، وقد صرح الله

<<  <  ج: ص:  >  >>