للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيًا: توجيه قول ابن خراش:

قال ابن خراش: كذاب، متروك يضع الحديث، وبيانه من وجوه: (١)


= الوجه الثاني: إن أكثر العلماء لم يتلفظوا بهذا حسب الاستقراء والتتبع فقط، قالوا: هو متروك الحديث أو ضعيف. الوجه الثالث: أن ابن معين قد يستخدم إطلاق الكذب عند التفرد بما لا يُحتمل من الراوي .. وأقرب مثال يحضرني على هذا ما رواه الحاكم قال: سمعت أبا علي الحافظ، سمعت أحمد بن يحيى التستري، يقول: لما حدث أبو الأزهر بهذا (يعني حديث عن ابن عباس قال نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى علي، فقال: أنت سيد في الدنيا سيد في الآخرة. . .) في الفضائل، أُخبر يحيى بن معين بذلك، فبينا هو عنده في جماعة أصحاب الحديث إذ قال: من هذا الكذاب النيسابوري الذي حدث بهذا عن عبد الرزاق؟ فقام: أبو الأزهر، فقال: هو ذا أنا، فتبسم يحيى بن معين، وقال: أما إنك لست بكذاب، وتعجب من سلامته، وقال: الذنب لغيرك فيه.
الوجه الرابع: ربما أطلق الكذب على الراوي لروايته الكذب ولو لم يكن هو الذي اختلقه وصنعه .. كما في الحديث الشريف: "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين".
(١) الوجه الأول: أن قول ابن خراش هذا فيه تحامل، والتحامل سمة من سمات ابن خراش، قال الذهبي في أهل الجرح والتعديل: فمنهم من نَفَسُهُ حادٌّ في الجَرْح، ومنهم من هو معتدِل، ومنهم من هو متساهل. فالحادُّ فيهم: يحيى بنُ سعيد، وابنُ معين، وأبو حاتم، وابنُ خراش. الموقظة في علم مصطلح الحديث ١/ ٢٠.
الوجه الثاني: ابن خراش أصلا متكلم فيه، قال الذهبي في: مَنِ الَّذِي يُصَدِّقُ ابْنَ خراش ذَاكَ الرَّافِضِيُّ فِي قَوْلِهِ؟ سير أعلام النبلاء (١٢/ ٤٨٧). وقال ابن حجر: ابن خراش مذكور بالرفض والبدعة فلا ينظر إليه. مقدمة فتح الباري/ ٣٨٦. وقال السخاوي: عبد الرحمن بن يوسف ابن خراش المحدث الحافظ فإنه من غلاة الشيعة؛ بل نسب إلى الرفض فيتأنى في جرحه لأهل الشام للعداوة البينة في الاعتقاد. فتح المغيث (٣/ ٣٦٢)
الوجه الثالث: أن أقوال ابن خراش يتوقف فيها إذا انفرد فكيف إذا خالف؟ فابن خراش رافضيٌّ لا يقبل قوله إذا خالف أو انفرد.
الوجه الرابع: إمّا أن تكون عدالة الرّاوي أرجح من عدالة الجارح له أو مثلها أو دونها.
قال ابن الوزير: لا يخلو إمّا أن تكون عدالة الرّاوي أرجح من عدالة الجارح له أو مثلها أو دونها، إن كانت عدالة الرّاوي أرجح وأشهر من عدالة الجارح؛ لم نقبل الجرح؛ لأنّا إنّما نقبل الجرح من الثّقة لرجحان صدقه على كذبه، ولأجل حمله على السّلامة، وفي هذه الصّورة كذبه أرجح من صدقه، وفي حمله على السّلامة إساءة الظّنّ بمن هو خير منه وأوثق وأعدل وأصلح. وأكثر ما يقول أئمة هذا الشّأن في أهل هذه الطّبقة إذا سُئلوا عنهم: أنا أُسأل عن فلان؟ بل هو يُسأل عنّي. وأمّا إن كان مثله في العدالة، فيجب الوقف لتعارض أمارتي صدق الجارح وكذبه، فإنّ عدالة الجارح أمارة صدقه، وعدالة المجروح أمارة كذبه، وهما على سواء، وليس أحدهما بالحمل على السّلامة أولى من الآخر، فإن انضم إلى عدالة المجروح مُعدّل كان وجهًا لترجيح عدالته.

<<  <  ج: ص:  >  >>