للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}، فنفى عنه هذه الهداية وأثبت له هداية الدعوة والبيان في قوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.

النوع الرابع: غاية هذه الهداية وهي الهداية إلى الجنة والنار إذا سيق أهلهما إليهما؛ قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٩)} [يونس: ٩]، وقال أهل الجنة فيها: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا} [الأعراف: ٤٣]، وقال تعالى عن أهل النار: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (٢٢) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (٢٣)} [الصافات: ٢٢، ٢٣] (١).

والأمر الذي يحتاج إلى التفصيل (النوع الثاني، والثالث).

يقول القرطبي في تفسيره: الهدى هديان: هدى دلالة؛ وهو الذي تقدر عليه الرسل وأتباعهم؛ قال الله تعالى: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}، وقال: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، فأثبت لهم الهدى الذي معناه الدلالة والدعوة والتنبيه، وتفرد هو سبحانه بالهدى الذي معناه التأييد والتوفيق فقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: ٥٦]، فالهدى على هذا يجيء بمعنى: خلق الإيمان في القلب، ومنه قوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة: ٥]، وقوله: {وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [يونس: ٢٥].

[مرتبة البيان العام]

وهو تبيين الحق وتمييزه من الباطل بأدلته وشواهده وأعلامه بحيث يصير مشهودًا للقلب كشهود العين للمرئيات، وهذه المرتبة هي حجة الله على خلقه التي لا يعذب أحدًا ولا يضله إلا بعد وصوله إليها، قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١٥)} [التوبة: ١١٥]، فهذا


(١) بدائع الفوائد لابن القيم (٣٥: ٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>