للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} [المؤمنون: ١١٥, ١١٦]، فنزه نفسه عن هذا الحسبان، فدل على أنه مستقر بطلانُه في الفطر السليمة والعقول المستقيمة، وهذا أحد ما يدل على إثبات المعاد بالعقل، وأنه مما تظاهر عليه العقل والشرع وكما هو أصح الطريقين في ذلك.

ومن فَهِمَ هذا فَهِمَ سرَّ اقتران قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (٣٨)} [الأنعام: ٣٨] بقوله: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الأنعام: ٣٧] وكيف جاء ذلك في مَعْرِضِ جوابهم عن هذا السؤال والإشارة به إلى إثبات النبوة، وأَنَّ مَنْ لم يهمل أمرَ كلِّ دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه؛ بل جعلها أُمَمًا، وهداها إلى غاياتها ومصالحها، وكيف لا يهديكم إلى كمالكم ومصالحكم؟ فهذه أحد أنواع الهداية وأعمها.

النوع الثاني: هداية البيان والدلالة والتعريف لنَجدي الخير والشر، وطريقي النجاة والهلاك، وهذه الهداية لا تستلزم الهدى التام، فإنها سبب وشرط لا موجب، ولهذا ينتفي الهدى معها كقوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت: ١٧]. أي: بينا لهم وأرشدناهم ودللناهم فلم يهتدوا، ومنها قوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: ٥٢].

النوع الثالث: هداية التوفيق والإلهام، وهي الهداية المستلزمة للاهتداء، فلا يتخلف عنها، وهي المذكورة في قوله: {فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [فاطر: ٨]، وقوله تعالى: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} [النحل: ٣٧]، وفي قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من يهدِ الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له" (١)، وفي قوله تعالى: {إِنَّكَ


(١) النسائي (١٧٠٩)، والبيهقي في الكبرى (١٣٦٠٨)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (١٨٦٠)، وإرواء الغليل (٦٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>