للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَتْ فِي الحقِيقَةِ تَغِيبُ وَرَاءَ الْبَحْرِ، وَفِي هَاهُنَا بِمَعْنَى فَوْقَ، أَوْ بِمَعْنَى عَلَى، وَحُرُوفُ الصِّفَاتِ تُبدَّلُ بَعْضُهَا مَكَانَ بَعْضٍ. (١)

وقال الإمام النووى: وأما سجود الشمس فهو بتمييز وإدراك يخلقه الله تعالى. (٢)

قال الحافظ ابن حجر:

وظاهر الحديث أن المراد بالاستقرار وقوعه في كل يوم وليلة عند سجودها ومقابل الاستقرار المسير الدائم المعبر عنه بالجري - والله أعلم (٣).

الوجه الرابع: عدم العلم ليس دليلًا على العدم.

وهي قاعدة مشهورة، وأكثر عمل الجهال على خلافها.

قال الغزالي: إن جريان الشمس من أسرتها المعروفة في فضاء الله الواسع مقرر فلكيًا، لم ينكره أحد قط، أن دوران الأرض حول الشمس لا يعنى أن الشمس ثابتة، وقوله تعالى: {تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} لا يعنى أن الشمس تغطس في الماء يوميًا ثم تخرج! ! لم يدركوا ما يعرفه الأطفال عندنا أن اختفاء قرص الشمس في الماء؛ إنما هو في عين الرائي لا في حقيقة الأمر.

أما أن الشمس تسجد لربها؛ فإن الجماد والنبات والحيوان والكائنات جمعاء خاضعة لله، تسبح بحمده، وتهتف بمجده، وتلبى أمره، وهي طوع مشيئته ويوم لا يأذن للشمس في الشروق، وينهى أمر الدنيا، ويفتح يوم الحساب، فمن الذي يعصيه؟ ويظهر أن المساكين فهموا من سجود الشمس أنها تصلى ركعتين كسائر البشر! {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} (٤).


(١) انظر: كلامه في الأسماء والصفات (٢/ ٢٧٠ - ٢٧٥)، شرح السنة للبغوي (١٣/ ٩٥).
(٢) شرح النووي (٢/ ١٩٧).
(٣) فتح الباري (٨/ ٤٠٣).
(٤) قذائف الحق لمحمد الغزالي (ص ٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>