فالثابت علميًا أن المصروع يتعطل تفكيره وإدراكه تعطلًا تامًا، فلا يدري أثناء نوبته عما يدور حوله، ولا يجيش في نفسه ويغيب عن صوابه، وتعتريه تشنجات تتوقف فيها حركة الشعور عنده، ويصبح المريض بلا إحساس، وأبرز سمة عنده تكون النسيان، ولكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يظهر عليه شيء من ذلك، فكان يبقى في تمام وعيه قبل وخلال وبعد حالة الوحي، فكان يفصم عنه وقد وعى كل ما قاله له جبريل - عليه السلام - من آيات بينات وتشريعات محكمات وعظات بليغات وأخلاق عظيمة، وكلام بلغ الغاية القصوى في الفصاحة والبلاغة والإعجاز حتى طأطأ لإعجازه أقدر الناس فصاحة وبلاغة فرادًا أو مجتمعين وفي كل الأزمان.
[أسبابه]
أثبتت وسائل الطب الحديث والأجهزة المتقدمة في التشخيص والعلاج أن نوبات الصرع ناتجة عن تغيرات فسولوجية عضوية في المخ، حيث أمكن تسجيل تغيرات كهربائية في المخ أثناء النوبات الصرعية مهما كان مظهرها الخارجي، كما أثبت الطب الحديث أن هناك مظاهر عديدة ومختلفة لنوبات الصرع وذلك تبعًا لمراكز المخ التي تبدأ فيها التغيرات الكهربائية، وتبعًا لطريقة انتشارها وسرعته، وأهم نوبات الصرع، النوبات الصرعية النفسية.
وفي هذه الحالة من نوبات الصرع؛ فإنها تمر بذهن المريض ذكريات قديمة، وأحلام مرئية أو سمعية أو الاثنان معًا، وتسمى (بالهلاوس) وهذه الذكريات يكون قد عاشها المريض نفسه ثم احتفظ بها في مخه في ثناياه، استدعتها للخروج من مكانها الحالة الصرعية التي انتابته، وقد أمكن طبيًا إجراء عملية التنبيه لها بواسطة تيار كهربائي صناعي سُلط على جزء خاص في المخ فشعر المريض بنفس (الهلاوس) التي تنتابه في أثناء نوبة الصرع، وبتطبيق ما قرره الطب الحديث في حقائق الصرع على ما كان يعتري النبي - صلى الله عليه وسلم -، نجده يردد آيات لم يسمعها من قبل في حياته أخبره بها الله - عز وجل -، ولما كانت هذه الأحاديث والآيات والأحوال لم تمر به - صلى الله عليه وسلم - من قبل، فهي إذا لم تُختزن بالتالي في مخه لتثيرها وتخرجها نوبات صرعية فيتذكرها وينطق بها.