ثم كيف يتفق ذلك الداء العضال الذي أعيا الأطباء، وما انتدب له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تكوين شموسٍ أبِيّة، وتربيتها على أسمى نواميس الهداية وقوانين الأخلاق، وقواعد النهضة والرقي، مع أنها أمة صحراوية النفوس، صخرية الطباع؟ ! .
أضف إلى ذلك أنه نجح في هذه المحاولة المعجزة، إلى درجة جعلت تلك الأمة، بعد قرن واحد من الزمان، هي أمة الأمم، وصاحبة العلم، وربة السيف والقلم.
فهل المريض المتهوس الذي لا يصلح لقيادة نفسه يتسنى له أن يقوم بهذه القيادة العالمية الفائقة، ثم ينجح فيها هذا النجاح المعجز المدهش؟ .
ثم ما رَأْي هؤلاء الطاعنين وفيهم من ينتمي إلى بعض الأديان في أنهم لا ينالون من نبوة وعصمة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وحده؛ وإنما ينالون من جميع أنبياء الله ورسله الذين كانت لهم كتب أو صحف، أُوحي بها من عند الله سبحانه.
فهل تطيب نفوس المقرين بالأديان منهم أن يخربوا بيوتهم قبل أن يخربوا بيوت غيرهم؟ فما رأيهم فيما جاء في كتب العهد القديم والجديد، من إيحاءات ونبوءات؟ .
وهل يقولون في وحى نبي الله موسى وعيسى - عليهما السلام - ما يقولون في وحى نبينا محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ .
إن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ليس بدعًا من الرسل في باب الوحي، إنه أوحي إليه كما أوحي إليهم، وصدق الحق تبارك وتعالى حيث يقول:{إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ}[النساء: ١٦٣].
اللهم إن هذا الطعن لا يقول به إلا أحد رجلين: إما رجل مخرف، وإما رجل مخرب مدمر يريد هدم الأديان. (١)
قلت: فلا نبينا - صلى الله عليه وسلم -، ولا أحد من إخوانه من الأنبياء أصيب بمثل هذه الأمراض المنفرة، لعصمة ربهم لهم، وإنما المرضى - حقيقة - هم أعداؤهم من كل أمة.
(١) السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة للدكتور محمد أبو شهبة ١/ ٢٧٨، ٢٧٩.