للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأنبياء صبروا ورضوا وتأسوا بهم ولتمتليء صاع الكفار فيستوجبون ما أعد لهم من النكال العاجل والعقوبة الآجلة فيمحقهم بسبب بغيهم وعداوتهم فيعجل تطهير الأرض منهم فهذا من بعض حكمته تعالى في ابتلاء أنبيائه ورسله بإيذاء قومهم وله الحكمة البالغة والنعمة السابغة لا إله غيره ولا رب سواه، لذلك تقول السيدة عائشة - رضي الله عنها - لما سئلت (هل رأى محمد ربه)؟ فقالت: لقد قَفَّ شعري مما قلت.

قال: يا أم المؤمنين أليس يقول رب العالمين {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم: ١٣، ١٤] قالت - رضي الله عنه -: أنا أعلم الناس بذلك سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: رأيت جبريل في صورته التي خُلق فيها مرتين وله ستمائة جناح وقد سدَّ الأفق. جبريل رآه الرسول - صلى الله عليه وسلم - مرتين وليس رب العالمين حيث يهم بعض الناس فيُرجعون الضمير إلى رب العالمين فالسيدة عائشة تقول: أنا أعلم الناس بذلك لأنها سألت الرسول - صلى الله عليه وسلم - فأجابها بأنه لم يرى ربه وإنما رأى جبريل - عليه السلام - مرتين في صورته الطبيعية التي خلقه الله عليها وهو لعظمته قد سدَّ الأفق.

ثم تابعت السيدة عائشة - رضي الله عنها - كلامها معلِّمة المسلمين لأنها من أمهات المؤمنين قالت ثلاث من حدَّثكم بهن فقد أعظم على الله الفرية: من حدَّثكم أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية ثم تلت قوله تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشورى: ٥١].

ومن حدَّثكم أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - كان يعلم ما في غد فقد أعظم على الله الفرية ثم تلت قوله تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: ٦٥].

والثالثة والآخرة - وهنا الشاهد - قالت: من حدَّثكم أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - كتم شيئًا أُمر بتبليغه فقد أعظم على الله الفرية ثم تلت قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: ٦٧] أن يحولوا بينك وبين تبليغك لرسالة ربك.

<<  <  ج: ص:  >  >>