للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناس بأهل القرية التي عصت أمر الله، وخالفوا عهده وميثاقه، فيما أخذه عليهم من تعظيم السبت والقيام بأمره؛ إذ كان مشروعًا لهم فتحيلوا على اصطياد الحيتان في يوم السبت، بما وضعوه لها من الشصوص والحبائل والبرك قبل يوم السبت، فلما جاءت يوم السبت على عادتها في الكثرة نشبت بتلك الحبائل والحيل، فلم تخلص منها يومها ذلك، فلما كان الليل أخذوها بعد انقضاء السبت.

فلما فعلو ذلك مسخهم الله إلى صورة القردة، وهي أشبه شيء بالأناسي، في الشكل والظاهر وليست بإنسان حقيقة، وكذلك أعمال هؤلاء وحيلهم لما كانت مشبهة للحق في الظاهر ومخالفة له في الباطن، كان جزاؤهم من جنس أعمالهم.

وعن قتادة والكلبي: في قوله تعالى {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ} قالا: نهوا عن صيد الحيتان في يوم السبت، فكانت تشرع إليهم يوم السبت، بلوا بذلك فاصطادوهم فجعلهم الله قردة خاسئين (١).

وهذا الفعل ليس على الله ببعيد ولا بعزيز إذ لا يعجزه شيء سبحانه وتعالى.

قال الرازي: قوله عز وجل: {قِرَدَةً خَاسِئِينَ} ليس بأمر؛ لأنهم ما كانوا قادرين على أن يقلبوا أنفسهم على صورة القردة؛ بل المراد منه سرعة التكوين كقوله تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٠)} [النحل: ٤٠] وكقوله تعالى: {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: ١١]، والمعنى: أنه تعالى لم يعجزه ما أراد إنزاله من العقوبة بهؤلاء بل لما قال لهم {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} صاروا كذلك؛ أي لما أراد ذلك بهم صاروا كما أراد وهو كقوله {كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} [النساء: ٤٧]. (٢)


(١) تفسير ابن كثير (١/ ٤٣٦)، تفسير الطبري (١/ ٣٣١)، عبد الرزاق في التفسير (١/ ٢٧٣).
(٢) تفسير الرازي (٣/ ١١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>