للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الزعم بأنه ليس من عقائد الإسلام، ولا من عباداته، ولا دخل له في التشريع، وإنما هو من أمور الدنيا التي يجوز على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها الخطأ، كحديث "تأبير النخل" (١)؛ فالغرض منه تحقير الحديث والتهوين من أمره وتنفير الناس عنه، وبالتالي فإن من ردَّه أو ارتاب فيه لم يؤثر ذلك على دينه في شيء، وهو أمر في غاية الخطورة والتلبيس، لأن أمور الدنيا منها ما هو خاضع لأحكام الشرع، فهي داخلة تحت الأمر بطاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والنهي عن مخالفته، وأمره - صلى الله عليه وسلم - قد يكون واجبًا وقد يكون مستحبًا، وقياس حديث الذباب وغيره من أحاديث الطب النبوي على أحاديث تأبير النخل قياس غير صحيح؛ لأن معظم أحاديث الطب - إن لم تكن كلها - ساقها النبي - صلى الله عليه وسلم - مساق القطع واليقين مما يدل على أنها بوحي من الله سبحانه وداخلة في التشريع، فقال في حديث الذباب: "فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء"، فأتى بـ (إن) المفيدة للتأكيد، بخلاف أحاديث تأبير النخل التي ساقها - صلى الله عليه وسلم - مساق الرجاء والظن؛ لأنها في أمور الدنيا ومعايشها فقال: لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرًا، وفي رواية "ما أظن يغني ذلك شيئًا" (٢)، وفرق كبير بين الأسلوبين.

ولذلك قال الإمام النووي عند شرحه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث (تأبير النخل): "وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر"، قال العلماء: قوله - صلى الله عليه وسلم - "من رأي" أي في أمر الدنيا ومعايشها لا على التشريع، فأما ما قاله باجتهاده - صلى الله عليه وسلم - ورآه شرعًا يجب العمل به، وليس أبار النخل من هذا النوع بل من النوع المذكور قبله" (٣).

فما وقع في حديث التأبير كان ظنًا منه - صلى الله عليه وسلم -، وهو صادق في ظنه، وخطأ الظن ليس كذبًا، وقد رجع عن ظنه الذي ظنه في قوله: "إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه" (٤) بخلاف ما جاء في حديث الذباب، فإنه أخبر بأن في أحد جناحيه داء والآخر شفاء، وهذا لا يكون إلا بوحي من


(١) مسلم (٢٣٦٢).
(٢) مسلم (٢٣٦١).
(٣) شرح مسلم للنووي (٨/ ١٢٨).
(٤) مسلم (٢٣٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>