وقد ظلت الأمم الأوربية في العصور الحديثة نفسها تنكر على المرأة حق التعلم والثقافة حتى القرن التاسع عشر الميلادي.
وقد عبر عن ذلك أصدق تعبير في منتصف القرن السابع عشر الميلادي شاعر فرنسا موليير Moliere (١٦٢٢ - ١٦٧٣) إذ يقول في مسرحيته: "النساء المتحذلقات" Les Femmes Savantes على لسان أحد أبطالها: إنه لا يليق بامرأة، لعدة اعتبارات، أن تضيع وقتها في التعلم والثقافة، فوظائفها الأساسية التي ينبغي أن تستأثر بكل جهودها وفلسفتها لا تتجاوز تربية الأولاد وشئون التدبير المنزلي، والسهر على حاجة أفراد الأسرة، والاقتصاد في نفقات البيت.
وفي أواخر القرن السابع عشر الميلادي ظهرت أصوات ضعيفة تنادي بتعليم المرأة في حدود ضيقة كل الضيق، وكان على رأس المنادين بذلك العلامة الفرنسي فينلون Fenelon (١٦٥١ - ١٧٥١) في كتابه الذي ظهر سنة ١٦٨٠ تحت عنوان: "تربية البنات" L`Education des Filles ولكن هذه الأصوات -مع شدة تحفظها وتواضعها فيما نادت به- لم تلق استجابة يعتد بها من معظم الأمم الأوربية في ذلك العهد.
بل لقد ظلت التيارات المعادية لتعليم المرأة مسيطرة على أوربا الحديثة حتى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي. وإليكم مثلًا عاهل بروسيا بسمارك Bimarck (١٨١٥ - ١٨٨٩) الذي حدد للمرأة الألمانية ثلاث مجالات لنشاطها لا تخرج عنها، وهي: تربية أطفالها؛ وشئون مطبخها، وأداء شعائرها الدينية في الكنيسة. ويطلق الألمان على هذه الوظائف اسم "الكافات الثلاث"؛ لأن كل وظيفة منها يبدأ اسمها في الألمانية بحرف "كاف" (drei k: kinder, kuch, kirch).
إن المرأة الأوربية هي التي كانت غارقة في الجهل، لا في العصور الوسطى-عندهم- وحدها، ولكن إلى وقت قريب لا يزيد عن قرن ونصف قرن إلى الوراء من وقتنا هذا - والعصور الوسطى عندهم عصور الظلام والتخلف كما وصفوها هم، توازي عندنا معشر