للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ "مَرَّ بِي خَالِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ وَمَعَهُ لِوَاءٌ فَقَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلَى رَجُلٍ نَكَحَ مَنْكُوحَةَ أَبِيهِ، وَأَمَرَني أَنْ أَقْتُلَهُ"، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يُتَصَوَّرُ انْعِقَادُهُ بِدُونِ الْمَحَلِّ وَمَحَلُّ النِّكَاح هُوَ الْحِلُّ؛ لأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لمِلْكِ الْحِلِّ، فَالْمَحْرَمِيَّةُ عَلَى التَّأْبِيدِ لَا تَكُونُ مَحَلًّا لِلْحِلِّ، وَإِذَا لَمْ يَنْعَقِدْ الْعَقْدُ لَا تَحِلُّ لَهُ؛ لأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ فَكَانَ لَغْوًا كَمَا يَلْغُوَا إضَافَةُ النِّكَاحِ إلَى الذُّكُورِ وَالْبَيْعُ إلَى الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْعَقْدَ المُنْعَقِدَ لَوْ ارْتَفَعَ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَبْقَ شُبْهَةً مُسْقِطَةً لِلْحَدِّ، فَالَّذِي لَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلًا أَوْلَى. (١)

قال ابن نجيم: قوله "وَبِمُحرَّمٍ نَكْحُهَا" أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِوَطْءِ امْرَأَةَ مَحْرَمٍ لَهُ عَقَدَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا عَلَيْهِ الْحَدُّ إذَا كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ فَيَلْغُو كَمَا إذَا أُضِيفَ إلَى الذُّكُورِ، ثم قال: قَدْ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ بِقَوْلِهِمَا قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ وَنَحْنُ نَأْخُذُ بِهِ أَيْضًا وَفِي الْخُلَاصَةِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلهِمَا (٢).

وقال المرغيناني: وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا فَوَطِئَهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَلَكِنْ يُوجَعُ عُقُوبَةً إذَا كَانَ عَلِمَ بِذَلِكَ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ: عَلَيْهِ الْحَدُّ إذَا كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ فَيَلْغُو كَمَا إذَا أُضِيفَ إلَى الذُّكُورِ (٣).

وقال الجصاص: قال أبو حنيفة والثوري: لا يحد وإن علم عزر، وقال أبو يوسف ومحمد: يحد إذا علم بتحريمها عليه، وقال مالك: يحد ولا يلحق نسب الولد وإن لم تعلم هي ذلك، وإن كانت علمت وهو لم يعلم ألحقت به، وأقيم عليها الحد، وقال الحسن بن حي والشافعي: عليه الحد. (٤)


(١) المبسوط (٩/ ٨٥، ٨٦).
(٢) البحر الرائق شرح كنز الرقائق (٥/ ١٦).
(٣) العناية شرح الهداية (٧/ ١٩٤).
(٤) مختصر اختلاف العلماء للجصاص الرازي (٣/ ٢٩٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>