للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القاضي، ويحتمل أنه ضرب مثلًا لبعد الشيطان وإغوائه منه، وأن عمر في جميع أموره سالك طريق السداد خلاف ما يأمر به الشيطان. (١)

قال الحافظ ابن حجر: فيه فضيلة عظيمة لعمر تقتضي أن الشيطان لا سبيل له عليه لا أن ذلك يقتضي وجود العصمة إذ ليس فيه إلا فرار الشيطان منه أن يشاركه في طريق يسلكها ولا منع ذلك من وسوسته له بحسب ما تصل إليه قدرته فإن قيل عدم تسليطه عليه بالوسوسة يؤخذ بطريق مفهوم الموافقة لأنه إذا منع من السلوك في طريق فالأولى أن يلابسه بحيث يتمكن من وسوسته له فيمكن أن يكون حفظ من الشيطان، ولا يلزم من ذلك ثبوت العصمة لأنها في حق النبي واجبة وفي حق غيره ممكنة ووقع في حديث حفصة عند الطبراني في الأوسط بلفظ إن الشيطان لا يلقى عمر منذ أسلم إلا خر بوجهه وهذا دال على صلابته في الدين واستمرار حاله على الجد الصرف والحق المحض. (٢)

قلت: وإذا كان هذا لعمر - رضي الله عنه - وهو ليس بمعصوم فرسول الله به أولى لأنه معصوم من الله - عز وجل -، والله أعلم

٣ - ومما يؤكد ذلك هذا الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى صلاة قال: "إن الشيطان عرض لي فشد علي ليقطع الصلاة علي فأمكنني الله منه فذعته ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية حتى تصبحوا فتنظروا إليه فذكرت قول سليمان - عليه السلام -: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي}. فرده الله خاسئًا. (٣)

وإذا أمكنه الله منه في الصلاة فأن يحفظه منه في إبلاغ الوحي من باب أولى.

٤ - عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن، قالوا: وإياك يا رسول الله، قال: وإياي؛ إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير" (٤)


(١) شرح مسلم للنووي (١٥/ ١٦٦).
(٢) تحفة الأحوذي (١٠/ ١٢٣).
(٣) أخرجه البخاري (١١٥٢) ومسلم (٥٤٢).
(٤) أخرجه مسلم (٢٨١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>