صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} [النور: ٤١]، فقد أخبر سبحانه وتعالى عنه؛ أنه يعلم ذلك ودلالتها على الرب يعلمه عموم الناس، وأيضًا فقد أخبر الله تعالى في القرآن من كلام الهدهد والنمل وأن سليمان علم منطق الطير؛ بما يدل على الاختصاص، وهذا في الحيوان، وأيضًا فإنه جعل الجميع يسجد، ثم قال:{وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ}[الحج: ١٨]، وهذا المعنى يشترك فيه جميع المخلوقات دائمًا؛ وهو وصف لازم لكل مخلوق لا يزال مفتقرًا إلى الخالق، ولا يزال دالًا عليه، ولا يزال منقادًا لما يشاء الرب، وأيضًا فإنه قسم السجود إلى طوع وكره، وانفعالها لمشيئة الرب وقدرته، لا ينقسم إلى طوع وكره، ولا يوصف ذلك بطوع منها ولا كره؛ فإن دليل فعل الرب فيها ليس هو فعل منها البتة.
والقرآن يدل على أن السجود والتسبيح أفعال لهذه المخلوقات، وكون الرب خالقًا لها إنما هو كونها مخلوقة للرب، ليس فيه نسبة أمر إليها يبين ذلك أنه خص الظل بالسجود بالغدو والآصال والظل، متى كان، وحيث كان، مخلوق مربوب، والله تعالى جعل الظلمات والنور، والقول الذي ذكره البغوي أقرب من القول الذي ذكره أبو الفرج؛ وهو سبحانه تارة يجعلها آيات له، وتارة يجعلها ساجدة مسبحة وهذا نوع غير هذا. وعلى هذا القول الجميع واحد ليس في كونها ساجدة مسبحة، إلا كونها آية دالة وشاهدة للخالق تعالى بصفاته، لكونها مفعولة له، وهذا معنى ثابت في المخلوقات كلها لازم لها وهي آيات للرب بهذا الاعتبار، وهي شواهد ودلائل وآيات بهذا الاعتبار، لكن ذاك معنى آخر كما يفرق بين كون الإنسان مخلوقًا وبين كونه عابدًا لله؛ فهذا غير هذا، هذا يتعلق بربوبية الرب له، وهذا يتعلق بتألهه وعبادته للرب، والبيت الذي استشهدوا به وهو قوله:
ترى الأكم فيها سجدا للحوافر
فإنما ذكر سجود الأكم للحوافر، وذلك خضوعها وانخفاضها لها؛ فهذا خضوع جماد لجماد، ولا يلزم أن يكون سائر أنواع الخضوع مثل هذا، وإنما يشترك في نوع الخضوع وليس خضوع المخلوقات للخالق مثل هذا؛ وإن قيل هو انفعالها لمشيئته وقدرته، بل ذاك